كتبت: أمنية طلال
لم يكن لديها خيار سوى الاستمرار في العمل والتضحية بإجازة رعاية الطفل خوفا من فقدان وظيفتها للأبد، متحملة في ذلك الكثير من الأعباء والأموال لتأمين رعاية طفلها في عامه الأول خلال ساعات عملها.
حال شيرين محمد، البالغة من العمر 32 عاما، هو حال آلاف العاملات في القطاع الخاص الذي يخالف نصوص القانون ويرفض منحهن إجازات بدون راتب لرعاية الطفل، مكتفيا بإجازة وضع (3 أشهر) للطفل الأول والثاني فقط.
وتضطر شيرين للاستيقاظ في الخامسة صباحا، حتى تتمكن من توصيل طفلها لحضانة خاصة تكلفها شهريا 300 جنيه بخلاف المواصلات، وفي نفس الوقت تضمن وصولها إلى عملها في مدينة 6 أكتوبر في تمام الساعة الثامنة صباحاً حتى لا تتعرض للخصم.
هذه المعاناة التي تعيشها آلاف العاملات دفعت 50 نقابية من مختلف المواقع العمالية بالقطاعين الخاص والحكومي من مختلف المحافظات، لإطلاق حملة نهاية سبتمبر الماضي لتحسين أوضاع العاملات في ضوء التعديلات التي تناقش حالياً على قانون العمل 12 لسنة 2003، وفي القلب من هذه التعديلات المقترحة إلزام أصحاب الأعمال بإنشاء دور حضانة في أي منشأة تضم 50 عاملة فأكثر.
وكانت وزارة القوى العاملة والهجرة أعلنت في نهاية يونيو الماضي عن المسودة النهائية لمشروع تعديلات قانون العمل، رقم 12 لسنة 2003، وبدأت أولى جلسات الحوار المجتمعي في نفس الوقت لمناقشتها، بحضور عدد من ممثلي الاتحادات العمالية والعمال وأصحاب الأعمال.
ممارسات القطاع الخاص
تروي شيرين لأصوات مصرية عن معاناتها في العمل بعد رفض الشركة منحها إجازة رعاية طفل، حيث تظل خارج المنزل يوميا لأكثر من 12 ساعة في رحلتها إلى حضانة طفلها ومنها إلى العمل، والعودة إلى الحضانة بعد انتهاء ساعات العمل حتى وصولها إلى منزلها.
وتعتبر شيرين أن القطاع الخاص ينتهك "بشكل صارخ" معظم حقوق العاملات، مؤكدة "الشركة رفضت إعطائي إجازة رعاية طفل وهددتني بالفصل في حالة التغيب عن العمل واضطررت للاستمرار في العمل خوفا من فقدان وظيفتي".
ولا يعتبر عدم وجود حضانة مشكلة شيرين الوحيدة، فهي لا تحصل كذلك على حقها في التعويض المادي عن ساعات العمل الإضافية التي تفرضها الشركة على العاملين في بعض الأيام.
ويكفل قانون العمل الحالي بعض الحقوق للمرأة العاملة منها إجازة الوضع وإجازة رعاية الطفل، وإنشاء حضانات لأطفال العاملات، إلا أن الأزمة الحقيقة هي عدم إلزام أصحاب العمل سواء حكومة أو قطاع خاص بهذه الحقوق أو تحديد عقوبة لمن يخالف القانون كما أوضحت منى عزت، مسؤول ملف العاملات بمؤسسة المرأة الجديدة، قائلة "أصحاب الأعمال يلجأون عادة إلى تعيين عدد قليل من النساء غير المتزوجات للإفلات من هذا الالتزام".
ويشترط قانون العمل 12 لسنة 2003 وجود 100 عاملة بالمؤسسة أو الشركة لإنشاء حضانة داخل مكان العمل أو التعاقد مع حضانة خاصة.
مطالب العاملات من تعديلات القانون
واعتبرت الحملة التي تبنتها 50 نقابية في بيانها التأسيسي أن قانون العمل لا يكفل حقوق العاملات في ظروف عمل آدمية، ولا يساو بينهم وبين الرجال، مشيرة إلى أن الدور الإنجابي للنساء هو مسؤولية مجتمعية، وبالتالي تتحمل الدولة جزء من هذه المسؤولية بتمكين النساء من القيام بهذا الدور والاحتفاظ بوظائفهن في نفس الوقت.
وطالبت عزت بتجريم مخالفة مواد قانون العمل، وفق مواد مستحدثة تنص على أن "يعاقب صاحب المنشأة أو من يملك سلطاته بالحد الأقصى المقرر للعقوبة الواردة في قانون العقوبات إذا ارتكب أي من الأفعال التي تشكل جرائم ما دامت ارتكبت مع العامل أثناء أو بسبب علاقة العمل".
واعتبرت عزت أن تعديل القانون يمكن النساء من الحصول على حقوقهن وفق نصوص واضحة تجاهلها القانون 12 لسنة 2003، مؤكدة على أهمية احترام الدور الإنجابي للمرأة.
وأعدت الحملة، التي تبنتها مؤسسة المرأة الجديدة، مقترحات لتعديلات القانون، لضمان المساواة في الأجر بين العاملين والعاملات، وحصول العاملة على إجازة الوضع ورعاية الطفل وإلزام أصحاب الأعمال بالتشغيل وفق ساعات العمل المنصوص عليها في القانون واعتبار أي ساعة أخرى عمل إضافي.
وتقترح نجاة محمد، نقابية بالضرائب العقارية، عددا من التعديلات لقانون العمل، منها إلزام القطاع الخاص بتعيين النساء، والالتزام بساعات العمل المقررة، والمساواة في الأجر بين النساء والرجال، معتبرة أن القطاع الخاص يتجاوز القانون دون أي عقوبات رادعة. وأضافت محمد "هناك نساء تعمل من 12 إلى 14 ساعة بدون أجر إضافي".
هذا ما أكدته أيضاً عفت عبد الرازق، نقابية في نقابة التمريض بالإسكندرية، مشيرة إلى العاملين بالتمريض في القطاع الحكومي والخاص.
واعتبرت عبد الرازق أن الممرضات تعانين "الأمرين" حيث تقضين ساعات عمل إضافية تصل إلى 3 ساعات في بعض الأوقات بدون مقابل، ومعظمهن غير معينات فلا تتمتعن بالتأمين الاجتماعي والصحي رغم تعرضهن للعدوى بشكل كبير.
أصحاب الأعمال
واعتبر محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات، أن النساء العاملات تحصلن على حقوقهن بالكامل، وفق القانون والسياسات العامة التي تخدم المجتمع والاستثمار معا، قائلاً "المطالب الفئوية تطيح بالمصلحة العامة .. فيه 90 مليون مواطن لازم أفكر فيهم وفيه بطالة في المجتمع".
ورفض السويدي مطالبات النساء الخاصة بإعطاء أجازات الوضع بدون حد أقصى، معتبرا ذلك يضر بالاستثمار، موضحا "لازم يبقى فيه قوانين تشجع الاستثمار .. والست اللي عاوزة تخلف عشر مرات تتحمل هذا الوضع"، واستشهد بتجربة الصين التي حددت النسل من أجل تقدم المجتمع.
وطالب السويدي بتغليب المصلحة العليا للمجتمع بما يحفظ حقوق العامل وصاحب العمل، رافضا فكرة تشغيل العمالة ساعات إضافية بدون مقابل، أو حرمان العمال من التأمين الصحي والاجتماعي.
ولا تتفق سحر عثمان، سكرتير المرأة العاملة بالاتحاد العام للعمال، مع ما طرحه السويدي، معتبرة أن التعديلات التي أجرتها وزارة القوى العاملة على قانون العمل 12 لسنة 2003 لا تخدم المرأة وغير ملزمة لصاحب العمل خاصة فيما يتعلق بأجازات الوضع ورعاية الطفل، وساعات العمل، مؤكدة "التعديلات تنحاز لأصحاب الأعمال ولن تغير واقع المرأة العاملة".
ووضع مشروع القانون، الذي أعدته وزارة القوى العاملة، تعريفا لحق الإضراب وحظر الإضراب الكلي أو الدعوة إليه في المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي.
كما حدد شروط للاعتصام، فقد حظر الاعتصام داخل مقر العمل بما يؤدى إلى توقف العمل بالمنشأة كليا أو جزئيا، وتضمنت مواد القانون تشكيل "مجلس وطني للحوار الاجتماعي" برئاسة وزير القوى العاملة والهجرة وعضوية ممثلين من الجهات المعنية وأطراف العمل، يعهد إليها بتفعيل سبل الحوار الاجتماعى وآلياته بين طرفى العملية الإنتاجية.
وذكر تقرير، أعدته مؤسسة المرأة الجديدة بداية هذا الأسبوع عن أوضاع المرأة داخل النقابات ومعاناة المرأة العاملة، أن هناك تمييزاً ضد النساء في الأجور والعلاوات. ورصدت الدراسة وجود تقسيم للعمل على أساس النوع متمثلا في تكليف الرجال في المأموريات الكبيرة، وهو ما يعني أن عائدهم من المكافآت والحوافز يكون أكبر مما تحصل عليه العاملات.
وعقدت وزارة القوى العاملة والهجرة 3 جلسات حوار خلال الفترة السابقة لمناقشة 43 مادة، فيما أطلق نقابيون حملة "من أجل قانون عادل للعمل" بالتوازي مع اللجنة المشكلة من الوزارة، للمطالبة بإنهاء أي تمييز ضد العمال لصالح أصحاب العمل، وأي تمييز بين النساء والرجال في العمل، وعقدت جلسات حوار مجتمعي مع العمال في مختلف المحافظات وستقوم بتقديم هذه المقترحات إلى المسؤولين في حالة عدم انتخاب مجلس نواب.
تعليقات الفيسبوك