كتبت أميمة مجدي:
خلف مكتب بسيط فى محل بأحد المراكز التجارية الشهيرة بمصر، تستقبل ندى زبائنها يوميا.
السيدة ندى، التى اختارت اسماً مستعارً، واحدة من مائة وواحد وثلاثين ألف لاجئ سوري يعيشون بمصر، حسب تصريحات إليزابيث تان، مسؤولة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في مصر.
جاءت ندى السورية إلى مصر قبل عامين مع أولادها، وتركت زوجها بسوريا. وتقول "أنا حبيت إني أعمل شغل، فاستمريت بنفس شغل أخويا، وهو عنده مصنع بسوريا لانجيري، وعنده مكتب جملة هنا في مصر من سبع سنين، فحبيت أشتغل باللانجيري، بس بمحل".
تتحرك ندى كثيرا لخدمة عميلات المحل بابتسامة دائمة، وهي ترتدي الملابس العصرية، وتترك شعرها الأشقر من دون إيشارب. هي قادمة من دمشق العاصمة، وعندما قررت فتح المحل، اختارت أحد المراكز التجارية القريبة من سكنها، "فضلت المول لأنه أمنيا أفضل من الشارع، وبه نظام".
المركز التجاري في حي مدينة نصر، قريب من دوامة الأحداث السياسية التي انشغلت بها مصر في الأعوام القليلة الماضية ."وكانت مصر مارقة بمرحلة صعبة، مرحلة طالعة من ثورة، وبعد منها دخلت ثورة تانية. إنه اقتصاديا نحنا جايين لنفتح ببلد مفروض انه تعطينا اكتر من هيك شغل". تقولها وهي تضيف لإحدى العميلات، "اتفرجي على الموديلات دي، عليها تخفيض 50%".
اجراءات متشابهة
الإجراءات الإدارية لفتح مشروع تجاري بمصر عادية فى وجهة نظر ندى، "الكادر الإداري بمصر مثل سوريا مش أحسن ولا أقل، طلبوا مني سجل تجاري وبطاقة ضريبية". لكن متوسط ميزانية المشروع المتوسط في مصر تقترب من 60 ألف دولار، "لتجهيز المحل والإجراءات الادارية وجلب البضاعة"، وهو رقم كبير بالنسبة للمصريين، كما تقول.
ندى أصبحت معروفة بموديلاتها السورية، وأصبح "كل اللي بالمول بيقولوا إحنا بنجيلك خاصة إن أنا مشهورة بتجهيز العرائس". وظلت ندى تستورد الموديلات من مصنع أخيها إلى أن احترق في أتون الحرب الدائرة بسوريا.
وفى 28 نوفمبر 2011 كان وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري حينئذ محمد عيسى قال إن مصر "لن توقف العلاقات التجارية بينها وبين سوريا وفقا للعقوبات التي أقرتها جامعة الدول العربية، لأن الصادرات والواردات تخص الشعب السوري وليس الحكومة".
وقدر عيسى فى ذلك الوقت حجم التبادل التجاري المصري السوري بما يقرب من 700 مليون دولار صادرات للسوق السورية وواردات تصل إلى 2.5 مليون دولار إلى السوق المصرية. وما زال معدل البطالة في مصر خانة العشرات رغم انخفاض طفيف في الربع الأول من 2015 . وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء إن معدل البطالة انخفض خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 12.8 في المئة من 13.4 في المئة خلال نفس الفترة من العام الماضي.
مشكلة الإقامة
بعد احتراق مصنع أخيها لجأت ندى لمصانع مصرية، ثم أسست مصنعا بمدينة العبور الصناعية، "وجبنا العمال من سوريا، وبنكتب على البضاعة صنع في مصر".
الإقامة للعمالة السورية هي المشكلة الرئيسية التي تواجه ندى، "لأن السفارة المصرية ما بقت تدي الإقامة بسهولة ما عدا الأولاد اللي بالمدارس أو الأقارب من الدرجة الأولى مثل الأم والأب".
موضوع الإقامات يعتبره خلدون الموقع، رئيس مجلس الأعمال السوري المصري أهم مشاكل السوريين. ويقول إن حوالي عشرين ألف سوري حصلوا على الإقامات من خلال وسطاء، ثم اكتشفوا بعد ذلك أنها مزيفة. ووجه الموقع عتابا شديدا للحكومة المصرية، فقد "حضر لمصر 15 ألفا من أهم رجال الأعمال السوريين، خاصة بمجال الصناعة وطوال 3 سنوات ومنذ حضورهم، لم يجتمع معهم أي رئيس حكومة ليطلع على نشاطاتهم والعقبات التي تواجههم".
وقالت نائب رئيس هيئة الاستثمار المصرية، نيفين الشافعي، إن "نصف الاستثمارات السورية في مصر اتجهت إلى قطاع الصناعات الغذائية الذي يبرع فيه السوريون".
ويلي ذلك قطاع النسيج والملابس الجاهزة ثم قطاع الصناعات الهندسية والمعدنية خاصة الألومنيوم. ويأتي أغلب المستثمرون السوريون في مصر، من مدينة حلب، مركز سوريا التجاري والصناعي.
نقص الحماية وغياب الدعم
ليس كل اللاجئين من ميسوري الحال، كما أن صعوبة تحويل الأموال من البنوك في سوريا إلى الخارج والمعارك المستمرة أجبرت الكثيرين على الفرار بدون أموالهم.
وتقول تان إنه "يعيش ويعاني السوريون في مصر من نقص الحماية، وغياب الدعم التعليمي والصحي، فضلا عن افتقارهم للدعم النفسي والاجتماعي والقانوني."
تجربة مختلفة للبحث عن الرزق يخوضها أبو حمزة، الذي جاء من مدينة حمص إلى القاهرة في أغسطس عام 2012. جاء في زيارة قصيرة، لكنه استقر في مدينة الرحاب، شرقي القاهرة، ليجد نفسه مطالبا بالإنفاق على إسرته، واختار أن يعمل سمسارا للعقارات. "والله أول شي أنا ما اخترتها مهنة ولا أي حاجة أنا جاي زيارة ع أساس أقعد شهر اتنين وارجع".
تفاقمت الأزمة السورية، وفشل أبو حمزة، في العودة إلى الوطن، بعد انقطاع الاتصالات المصرية السورية.
وكان الرئيس المصري السابق مرسي أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في يونيو 2013، وفي أعقاب عزله عن الحكم تم الاتفاق علي فتح منفذ دبلوماسي من خلال العمل القنصلي لخدمة رعايا الدولتين.
أبو حمزة كان يمتلك شركة مقاولات في سوريا استولت عليها قوات تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". ويقول "إحنا الحمد الله تركنا بيوتنا والفلوس في البنوك وكل إخواتي فروا من سوريا".
جاء أبو حمزة إلى مصر مع ولديه وزوجته ووالديها، واعتاد الجيران رؤيته مع نجليه صباح الجمعة، في طريقهم إلى مسجد المنطقة الثامنة بمدينة الرحاب.
الوساطة في العقارات هي العمل الوحيد الذي لا يحتاج إلى رأسمال، ويكفي لإعاشة العائلة. يشكر أبو حمزة "الناس الطيبين" الذين يساعدونه، لكنه يشكو من المنافسة الضارية، ومن ظروف العمل بلا أوراق قانونية.
"أنا ما باشتغل بأوراق قانونية، لأنه إحنا ما مسموح لنا نمارس المهنة، إحنا السوريين إقامتنا لدراسة الأولاد فقط، وليس للعمل، هاي مهنة ع الهامش، بنشتغل على هامش الحياة".
على هامش الحياة أيضا يعيش اللاجيء السوري محمد في حي المعادي، الرجل ذو السبعة والخمسين عاما، الذي اختار بيع الحلوى والمعجنات السورية الشهيرة، أمام أبواب مركز تجاري ضخم. يبدأ العمل في رمضان قبل الإفطار بساعتين فقط.
"كلهم بيحبوني وكلهم عارفيني، بس قول محمد السوري".
يخلط محمد ما يقول بالنكات والأغاني، فهو مقلد محترف لمحمد عبد الوهاب، منذ كان يعمل أمين مخازن بمدينة حلب.
"نحن 3 عائلات، بنعيش مع بعض الأولاد خلصوا المدرسة ولدي الكبير 25 سنة والتاني 23 سنة".
محمد السوري يعمل بالمشاركة مع شقيقته، التي تقف بالأطعمة على الطرف الآخر من الرصيف أمام المول التجاري. تتحدث الأخت بخجل مع الزبائن، وهي تخفي وجهها تحت الحجاب التقليدي. يعمل كل أفراد الأسرة في تجهيز المأكولات، وينتهي الاثنان من البيع قبل الإفطار، لينتهي يوم العمل القصير، المرهق.
"إنجبرنا نشتغل من شان نعيش، يعني بيقولوا كلمة دارجة في العربي، الواحد عشان ينستر ما ينفضح متل ما بيقولوا، علمنا الأولاد، واشتغلنا".
لا تصنيف على أساس الجنسية
وفى 16 فبراير 2014 صدر قرار من وزير الخارجية المصرى، بإعفاء السوريين المقيمين بمصر من رسوم تجديد الإقامة، مشاركة من شعب مصر في التخفيف من معاناتهم.
ما تعطيه مصر في ظروفها الراهنة للاجئين أصحاب المشروعات، هو ما تعطيه لأبنائها، في رأي أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية. "لا يوجد تصنيف فى التجارة طبقا للجنسية، من يحمل سجلا تجاريا وبطاقة ضريبية، يصبح مشروعا مصريا".
معظم أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهم نحو خمسة عشر ألف سوري، وصلوا بعد اندلاع الأزمة السورية، ويقدر مجلس الأعمال السوري المصري عدد الشركات الاستثمارية السورية التي أسست في مصر بنحو 365 شركة حتى أكتوبر 2012.
وتقارب الاستثمارات السورية نحو 500 مليون دولار، وتتركز في مجالات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة.
تعليقات الفيسبوك