كتبت: أمنية طلال
"للأسف معظم الرجال يرفضون تقلد النساء المناصب القيادية"، قالت مها أبو بكر عضو مجلس نقابة المهندسين، التي كانت تدعم مناصفة النساء للرجال في مجلس نقابة المهندسين في الانتخابات الأخيرة، وهو ما قوبل بالرفض من الرجال المرشحين على حد قولها.
ولا تؤمن أبو بكر بالمناصفة من أجل مزاحمة الرجال، إنما ترى أن المناصفة في كل المجالات تفيد المجتمع بأكمله، وتحقق العدالة الاجتماعية، معتبرة أن التمييز في العمل على أساس النوع يهدر طاقات المرأة ويشعرها بالقهر.
وتعمل أبو بكر مهندسة معمارية في إحدى الشركات الخاصة، وتقول إن الهندسة المعمارية من أكثر التخصصات التي يتم فيها التمييز ضد المرأة ، إذ أن أصحاب العمل يفضلون إرسال الرجال إلى مواقع العمل بينما يتم تكليف النساء بالأعمال المكتبية، وهو ما يؤدي إلي زيادة أجور الرجال عن النساء وكذلك اكتسابهم خبرات أكبر.
لكن التمييز في الأجر لا يقتصر فيما يبدو على مجال الهندسة المعمارية.
"ابني وابنتي يعملان في شركة لتصنيع الأدوية نفس ساعات العمل ونفس المسمى الوظيفي لكن يتقاضى هو ضعف أجرها"، تقول منى فوزي التي تعمل كمعلمة بإحدى المدارس ، موضحة أن ابنتها تعاني من تمييز في الأجر رغم أنها الأقدم.
ولا تجد فوزي مبررا لهذا التمييز، فأولادها الاثنان حاصلان على ليسانس آداب ويعملان بنفس الكفاءة.
ويقول تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2010 حول أوضاع المرأة في العمل، إنه في ظل الخصخصة والاتجاه نحو اقتصاديات السوق تأثرت أوضاع المرأة، وخاصة الفرص المتاحة لعملها نظرًا لإقبال القطاع الخاص في الغالب على تشغيل الرجال أكثر من النساء حيث يخشى ارتفاع نسب تغيب النساء عن العمل وحصولهن على إجازات متتالية بسبب واجباتهن العائلية.
وتقول منى عزت مسؤول برنامج "النساء والعمل" في مؤسسة المرأة الجديدة، إن التمييز ضد النساء في العمل يشمل قطاعات متعددة منها التموين، والضرائب، والتعليم، والصحة والدواء، والغزل والنسيج، وصناعة الأليكترونيات، وصناعة الملابس، ومجال البناء والمعمار.
وتشير عزت إلي إن التمييز أحيانا يتم بالتحايل، عن طريق "إسناد المأموريات الكبرى والأعمال الإضافية المدفوعة للرجال بدلا من النساء".
كما أن بعض أصحاب العمل يلجأون، حسبما تقول عزت، إلى تشغيل فتيات صغيرات في السن وغير متعلمات ومن غير المتزوجات، حتى لا يطالبن بحقوقهن.
ويشير تقرير نشرته اليوم المؤسسة التي تعمل بها عزت – مؤسسة المرأة الجديدة – إلي أن هناك فجوة نوعية في الأجور لصالح الرجال بنسبة (13,8%)، وأن نسبة الرجال في المناصب القيادية هي ضعف نسبة النساء، فنسبة الرجال (68,8%) والنساء (31,2%).
وبحسب التقرير فإنه "كلما ارتفعت الدرجات العليا كلما قل عدد النساء .. (وذلك) على النحو التالي:
ولا يقتصر الأمر على التمييز ضد النساء في الأجر وفي الترقيات، وإنما يكون أحيانا في المزايا الأخرى التي يحصل عليها العاملون.
"العاملات بالضرائب على المبيعات لا يحصلن على كامل حقوقهن فيما يتعلق بمشروع العلاج" تقول فاطمة فؤاد، رئيس النقابة العامة للعاملين في الضرائب على المبيعات.
توضح فؤاد أن العاملة تقوم بتسديد نفس اشتراك العلاج الذي يدفعه الرجل، لكن في حين يسمح للعامل بإضافة زوجته ووالدته للمشروع، لا يسمح للعاملة بإضافة زوجها لمشروع العلاج الخاص بها.
ولم تجد مايسة أحمد العاملة بالضرائب على المبيعات، فرصة لعلاج زوجها الذي يعاني من مشاكل صحية في ساقه على حد قولها، موضحة "زوجي غير مؤمن عليه وبالتالي لا يتبع التأمين الصحي"، حيث اضطرت لاقتراض مبلغ كبير لعلاج زوجها على نفقتها بسبب عدم سماح المصلحة بضم الزوج على مشروع العلاج.
ولم ينكر أحمد مصطفى عضو مجلس إدارة صندوق العلاج بمصلحة الضرائب على المبيعات أن هذا التمييز قائم، موضحا أن أعضاء النقابة تقدموا بمقترح للمساواة بين العاملين في مشروع العلاج للجمعية العمومية في نوفمبر الماضي، إلا أن الجمعية العمومية – أكثريتها من الرجال – رفضت هذا المقترح.
ويقول مصطفى إنه لا يمكن تجاوز قرارات الجمعية العمومية، وإن كان يتمنى أن تنتهي هذه المشكلة في أقرب وقت، على حد تعبيره.
وقامت فؤاد برفع دعوى قضائية ضد مصلحة الضرائب على المبيعات، للمطالبة بالمساواة في الحقوق بين العاملين والعاملات في مشروع العلاج طبقاً للقانون، وهي دعوى منظورة الآن أمام القضاء الإداري.
وأوضح تقرير أصدره البنك الدولي في فبراير الماضي أن المرأة في مختلف أنحاء العالم ما زالت تواجه فجوات هائلة ومستمرة بين الجنسين في مكان العمل، ودعا إلى اتخاذ إجراءات جريئة ومبتكرة لإتاحة فرص متكافئة أمام الجميع وإطلاق العنان للقدرات الاقتصادية للمرأة.
وذكر التقرير الذي حمل عنوان "المساواة بين الجنسين في مكان العمل" أن متوسط ما تحصل عليه المرأة يقل بنسبة 10 إلى 30 في المائة عما يحصل عليه الرجل العامل، وأن عدد النساء اللائي يمكن أن يحصلن على وظائف مدفوعة الأجر لكل الوقت لدى صاحب العمل يقل عن أمثالهن من الرجال بمقدار النصف.
أليات لتحقيق المساواة في العمل
"رغم نص الدستور صراحة على المساواة بين النساء والرجال، وتجريم التمييز على أساس النوع أو الجنس أو العقيدة، إلا أن النساء مازلن يعانين من التمييز بأشكال متعددة خاصة في العمل وتقلد المناصب"، تقول نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري للنهوض بالمرأة.
وتنص المادة 11 من دستور 2014 على أن "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور... كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها".
وإبان مناقشة الدستور اعتبر الكثيرون إن إدراج هذه المادة يفتح الباب أخيرا أمام المرأة لتقلد بعض الوظائف التي طالما تم استباعدها منها، خاصة منصب المحافظ وبعض المناصب في القضاء.
إلا أن حركة تغيير المحافظين التي جرت بعد إقرار الدستور خلت من النساء، كما أن القضاء لم يشهد أي تغيير فيما يخص وضع المرأة.
"حتى الآن نص المادة الخاصة بالمساواة لم يدخل حيز التنفيذ"، تقول أبو القمصان، "لابد من إيجاد آليات لتحقيق المساواة من خلال تشريعات تضمن ذلك وبعض الإجراءات".
من بين هذه التشريعات والاجراءات أمور نص عليها الدستور بالفعل، لكن لم يتم تفعيلها بعد. فالمادة 53 من الدستور اعتبرت أن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، ونصت على إنشاء مفوضية "للقضاء على كافة أشكال التمييز".
وتحث المنظمات المعنية بحقوق المرأة على الإسراع بإنشاء مفوضية مكافحة التمييز، بل أن إحدى تلك المنظمات – وهي مؤسسة نظرة للدراسات النسوية – قامت بصياغة مقترح قانون لإنشاء هذه المفوضية وقالت إنها ستقدمه لوزارة العدالة الانتقالية ولجنة الإصلاح التشريعي هذا الأسبوع.
ويقول محمد فاضل، المحامي في مؤسسة نظرة، إن المفوضية حسب مقترح القانون الذي صاغه ستقوم خلال أول ثلاث سنوات من عملها بتنقية التشريعات المصرية بما يتطابق مع المادة ٥٣ من الدستور عن طريق طرح مشاريع قوانين على مجلس النواب، كما أنها ستقوم بتلقي الشكاوى المتعلقة بالتمييز ودراستها وإحالتها إلي النيابة العامة للتحقيق، وسيكون لها مكتب قانوني لمساعدة الناجين من التمييز، ومكتب لفض النزاعات، يختص بتسوية النزاعات المتعلقة بالقضايا التمييزية في ما عدا البلاغات التي لا يجوز فيها الصلح طبقًا للتشريعات المصرية.
ولكن هذه المفوضية لن ترى النور على الأرجح إلا بعد انتخاب مجلس النواب، كما أن عملية تنقيح القوانين لجعلها أكثر صرامة فيما يتعلق بالتمييز ستستغرق فترة طويلة، وحتى ذلك الحين لن يكون أمام مها أبو بكر أو مايسة احمد أو إبنة منى فوزي، سوى خوض معاركهم بشكل منفرد.
تجارب لدول أخرى – المحامي محمد فاضل المحامي في مؤسسة نظرة
ومفوضية التمييز ليست بالشيء الجديد، فهناك أمثلة في كثير من الدول الديمقراطية التي توجد لديهم مفوضيات لحقوق الإنسان ومفوضيات ضد التمييز ومنها:
تعليقات الفيسبوك