لن يجد الرئيس المصري محمد مرسي وقتا للاستمتاع بانتصاره في إقرار دستور جديد إذ ربما كلفه ذلك الاقرار التأييد الأوسع لإجراءات التقشف العاجلة التي تحتاجها البلاد لإصلاح الاقتصاد المتداعي.
وبتسريع وتيرة طرح الدستور للاستفتاء العام الذي قالت المعارضة إنه تسبب في انقسام شعبي ربما يكون مرسي قد بدد فرص الوصول لتوافق على زيادة الضرائب وخفض الإنفاق وهي إجراءات ضرورية للغاية لتقليص عجز الميزانية المتضخم.
وتظهر أرقام غير رسمية من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي أن أغلبية نسبتها 64 في المئة من الناخبين وافقت على الدستور لكن معارضين يقولون إن مرسي خسر معركة الاستفتاء في أجزاء كبيرة من العاصمة في حين أثار استياء ليبراليين ومسيحيين وآخرين يساورهم القلق بشأن الدستور الذي كتبته جمعية هيمن عليها الإسلاميون.
ويقول معارضون إن هذه الإنقسامات ستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في بلد يعاني اقتصاده من صعوبات منذ الإطاحة بحسني مبارك قبل نحو عامين مما أدى إلى إحجام المستثمرين والسياح وهما مصدران مهمان للدخل القومي في البلاد.
وبدون الحصول على تأييد واسع النطاق فسيكون من الصعب على حكومة مرسي تنفيذ الاصلاحات اللازمة للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وربما يواجه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين معركة شرسة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في غضون شهرين.
وقال الخبير الاقتصادي عمرو عدلي "تطبيق إجراءات تقشفية في ظل نظام سياسي منفتح ووجود ملايين المواطنين الذين لهم حق الاقتراع يحتاج إجماعا بين النخبة السياسية."
إلا إنه وبالرغم من القبول الكبير حتى الآن بالحاجة العاجلة لاصلاح الاقتصاد المتعثر يقول عدلي إن الأسلوب الذي اتبعه مرسي في اقرار الدستور وأغضب معارضيه سيشجع خصومه على الاستفادة من أي رد فعل شعبي مناهض للتقشف بدلا من المساهمة في إقناع الناس بالاصلاحات.
وأضاف عدلي وهو رئيس وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "يتعامل خصومه السياسيون بالفعل بأسلوب انتهازي للغاية مع هذه الأمور.
"لن يكون هناك أي أمل في إنهاء ... العنف في الشوارع أو الإنقسامات السياسية الحادة."
ووحدت المعارضة المصرية التي هزمها الإسلاميون في جميع الاستفتاءات والانتخابات منذ الإطاحة بمبارك في فبراير شباط 2011 صفوفها بعدما وسع مرسي سلطاته في إعلان دستوري أصدره في 22 نوفمبر تشرين الثاني للمضي قدما في اقرار الدستور الجديد.
وقال أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار وعضو جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة "ما فعله مرسي وحدنا" مضيفا أنه يتوقع تحالف المعارضة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ومن شأن ذلك أن يمنح المعارضة فرصة أفضل كثيرا في الانتخابات البرلمانية في مواجهة القوى الإسلامية المنظمة التي شكلت شبكة قوية في شتى أنحاء البلاد على امتداد عقود لم يستطع الليبراليون أو غيرهم مضاهاتها.
ويتفق سعيد مع ضرورة اتخاذ خطوات لاصلاح الاقتصاد المصري إلا أنه يقول إن مرسي لم يسع لمناقشتها مع معارضيه رغم أنها شأن وطني. وقال صندوق النقد الدولي مرارا إنه لابد من التوصل لتوافق سياسي واسع النطاق على الاصلاحات حتى يوافق على القرض لمصر.
وتساءل سعيد "من ذا الذي لا يوافق على الإصلاحات الاقتصادية؟" لكنه استدرك الى القول "لم يستشرنا أحد فيما يتعلق بتأييد تلك السياسات أم لا. لا ندري ما سيحدث في البلاد."
ويواجه مرسي الآن احتمال وجود معارضة تسعى لتسجيل نقاط سياسية من أي زيادات ضريبية وإجراءات لخفض الإنفاق وبصفة خاصة أي خطوات لتقليص دعم الوقود في بلد اعتاد فيه الأغنياء والفقراء على الطاقة الرخيصة.
وقد يجد الإسلاميون بسبب ذلك صعوبة في الفوز بالأصوات في الانتخابات البرلمانية.
ورغم أن المعارضة أقنعت عشرات الآلاف من المصريين بالخروج إلى الشوارع في بعض الأحيان فإن الإسلاميين فعلوا ذلك في مناسبات أكثر ولهم سجل قوي في الفوز بالأصوات في الانتخابات البرلمانية.
لكن الانقسامات السياسية في البلاد نالت بالفعل من الاصلاحات الاقتصادية المبدئية للرئيس.
فقبل الاستفتاء بوقت قصير أقر مرسي زيادات في ضريبة المبيعات على سلع وخدمات مثل المشروبات الكحولية والسجائر ومكالمات الهاتف المحمول وتراخيص السيارات لكنه سحبها في خلال ساعات بعد انتقادات من معارضيه ووسائل الإعلام.
وكانت النتيجة الفورية لعدول مرسي عن قراره هي إرجاء موافقة صندوق النقد الدولي على القرض.
وقال الصندوق إنه أرجأ اجتماعه الذي كان مقررا في منتصف ديسمبر كانون الأول للموافقة على القرض وقالت الحكومة المصرية إن الموافقة ربما تتم في يناير كانون الثاني.
وقال فريد إسماعيل القيادي في حزب الحرية والعدالة إن مصر لا يمكن وصفها بأنها منقسمة في الوقت الذي وافق فيه ثلثا الناخبين الذين ذهبوا للاستفتاء على الدستور لكنه قال إن جميع الأطراف تحتاج إلى التباحث بشأن المشكلات الاقتصادية.
وأضاف "لدينا تحديات اجتماعية واقتصادية وحان الوقت أن يطرح الناس مبادرات والدخول في حوار وطني."
وتابع قائلا إن إقرار الدستور يعني أنه تم التغلب على عقبة رئيسية أمام استقرار البلاد.
إلا أن سقف التوقعات مازال مرتفعا في الدولة التي اندلعت فيها الانتفاضة في 2011 مطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة بقدر ما كانت تطالب بالحريات السياسية.
وقالت سالي أحمد قطب (19 عاما) وهي طالبة أثناء ذهابها للتصويت برفض الدستور يوم السبت "قمنا بالثورة من أجل تسهيل المعيشة وخفض الأسعار لا رفعها" في إشارة إلى خطط مرسي الضريبية.
وأضافت "سيؤدي ذلك إلى ثورة جياع."
وتضرر الاقتصاد المصري بشدة بعدما كان وجهة مفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة. وارتفع عجز الميزانية إلى 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران 2012 ومن المتوقع أن يتجاوز العجز عشرة في المئة في السنة المالية الحالية.
وقال عدلي إن العجز يمكن أن يصل إلى 13 في المئة ما لم يتم اتخاذ اجراء سريع.
ومن بين الإجراءات التقشفية المزمعة خطوات لخفض كميات البنزين المدعوم المتاحة لقائدي السيارات وهي اجراءات لا تحظى بقبول شعبي.
وفي غضون ذلك تستنزف مصر احتياطياتها من النقد الأجنبي بواقع نحو 600 مليون دولار شهريا مما أدى إلى انخفاض تلك الاحتياطيات إلى حوالي 15 مليار دولار وهو أقل من نصف مستواها قبل تنحي مبارك.
ولا يزال بعض المصريين على استعداد لمنح مرسي فرصة. وكثير من الذين صوتوا بالموافقة على الدستور فعلوا ذلك باعتباره استفتاء على الاستقرار حتى وإن كان لديهم بعض التحفظات. لكن مرسي لن يحظى بحرية كبيرة للحركة حتى من المؤيدين.
وقال محمد محسن وهو موظف مؤيد للإسلاميين وصوت بالموافقة في الاستفتاء "مثلما ثار الناس على مبارك فيمكن أن يثورا على مرسي.
"فلنمنحه شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لحل مشكلاتنا ثم نرى."
وتقول الحكومة إنها دخلت بالفعل في "حوار وطني" مع قوى سياسية ونقابات وآخرين لحشد الدعم الشعبي لخطة اقتصادية تؤكد على أنها لن تضر بالفقراء.
وقال سايمون وليامز الخبير الاقتصادي لدى إتش.اس.بي.سي في دبي في مذكرة بعد الجولة الأولى من الاستفتاء "من المستبعد أن يهدئ إقرار الدستور الخلافات الحالية إلا أنه يشكل خطوة كبيرة في مخاض التحول السياسي في مصر."
وأضاف أنه يمكن الآن استئناف التقدم سريعا في برنامج صندوق النقد الدولي.
لكنه تابع قائلا "قد يكون تفادي اتخاذ اجراءات اقتصادية مثيرة للاستياء الشعبي أمرا يصعب مقاومة جاذبيته خصوصا قبل انتخابات برلمانية."
تعليقات الفيسبوك