تجرعت مصر الدواء المر وقررت خفض دعم الطاقة الذي يلتهم نحو 20 بالمئة من الموازنة العامة سعيا لعلاج اقتصادها الواهن المثقل بمتاعب شتى.
وبعد أن تحاشته طويلا خوفا من إثارة احتجاجات شعبية في بلد أطاح برئيسين خلال ثلاث سنوات خفضت مصر مخصصات الدعم السخي للوقود حوالي 22 بالمئة في ميزانية السنة المالية الجديدة لكنها عززت في الوقت نفسه شبكة الأمان الاجتماعي لتخفيف اثر رفع الأسعار على ملايين الفقراء.
وقالت وزارة المالية في مشروع موازنة 2014-2015 الذي كشفت النقاب عنه اليوم إن إجراءات اصلاح دعم المواد البترولية تشمل "تحريك الأسعار مع ضمان عدم تأثر محدودي الدخل أو الفقراء."
و"تحريك الأسعار" تعبير مخفف للإشارة إلى رفع الأسعار في بلد يعيش نحو ربع سكانه تحت خط الفقر.
ولم يتضح إن كانت الحكومة ستعمل بالاسعار الجديدة مع بداية السنة المالية الجديدة في أول يوليو تموز.
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فان 26.3 بالمئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع على حوالي 7.13 جنيه يوميا للفرد و4.4 بالمئة تحت خط الفقر على حوالي 11 جنيها يوميا للفرد.
وهناك 21.8 بالمئة من السكان معرضون للسقوط في براثن الفقر مع أي هزة مالية.
ويكشف العنوان الفرعي "اصلاح منظومة دعم الطاقة دون المساس بالفقراء" في مشروع الموازنة عن مدى حذر الحكومة في التعامل مع قضية الدعم كما يعيد إلى الأذهان شعار "لا مساس" بالأسعار الذي رفعته حكومات متعاقبة لدغدغة مشاعر الفقراء وتحاشي اثارة غضبهم.
وجاء اعلان الموازنة العامة مع بدء الاقتراع في انتخابات الرئاسة التي يتنافس فيها القائد السابق للجيش عبد الفتاح السيسي مع المرشح اليساري حمدين صباحي.
ورغم أن السيسي -الذي تشير التوقعات إلى أنه سيفوز بالرئاسة- شدد في حملته الانتخابية على ضرورة إصلاح منظومة دعم الطاقة فإنه لم يكشف عن كيفية تحقيق ذلك.
وتفاقمت مشاكل الموازنة العامة في مصر بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعقبت سقوط الرئيس حسني مبارك عام 2011 ثم عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وما سبقه وصاحبه من اضطرابات.
وتنفق الدولة 13 في المئة من الميزانية على إتاحة الوقود والكهرباء للشركات والمستهلكين بأسعار تقل كثيرا عن أسعار السوق.
وبالاضافة إلى "تحريك الأسعار" قالت وزارة المالية إن اجراءات الإصلاح تتضمن حوافز لزيادة كفاءة استهلاك الوقود والتوسع في استخدام البطاقات الذكية لتوزيع الوقود وترشيد الاستهلاك وتنمية مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة من الطاقة الشمسية.
ويعتبر كثير من رجال الأعمال في مصر خفض دعم الطاقة أمرا حيويا لاصلاح الاقتصاد الذي يعاني من ضعف الجنيه وارتفاع البطالة وتفاقم عجز الموازنة وذلك رغم أن كثيرين منهم يستفيدون من دعم الطاقة للاغراض الصناعية.
وقال حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال لرويترز إن خفض الدعم "بداية جيدة طبعا. هذه أول حكومة تحاول أن تدخل هذا المعترك الصعب. 22 بالمئة أقل مما أريده لكنها بداية جيدة يستحقون الشكر عليها."
وتقدر وزارة المالية دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة بنحو 104 مليارات جنيه مقارنة مع 134.294 مليار جنيه في الموازنة المعدلة للسنة التي تنتهي في يونيو حزيران 2014.
وقال أحمد أبو هشيمة الرئيس التنفيذي لمجموعة حديد المصريين "أنا مع قرار خفض الدعم عن المواد البترولية. كل دعم بيروح (يذهب) لغير مستحقيه غلط .. لابد أن يوجه الدعم للتعليم والصحة."
ويرى وائل زيادة رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرميس أن الحكومة تسعى في الموازنة الجديدة إلى توصيل الدعم إلى مستحقيه بشكل أكبر.
وأشار إلى أن نصف ما تم توفيره من دعم المواد البترولية سيخصص لدعم الكهرباء الذي يبلغ في الموازنة الجديدة 33.492 مليار جنيه بزيادة نحو 85.6 بالمئة عن دعم السنة المالية الحالية.
وتسبب نقص الغاز أو أنواع بديلة من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء في انقطاع متكرر للتيار خلال فصل الصيف في السنوات القليلة الماضية وذلك في بلد يبلغ استخدام مكيفات الهواء فيه ذروته بين مايو أيار وأغسطس آب.
ولتخفيف أثر خفض دعم الطاقة رفعت الحكومة مخصصات برامج الرعاية الاجتماعية 200 بالمئة في الموازنة الجديدة.
وقالت وزارة المالية إنها خصصت 12 مليار جنيه لبرنامج معاش الضمان الاجتماعي "بزيادة ثمانية مليارات جنيه.. تستهدف الحكومة مضاعفة عدد الأسر المستفيدة من 1.5 مليون أسرة إلى ثلاثة ملايين أسرة."
وسيستفيد من الدعم النقدي الأسر التي لا تأخذ حاليا معاش الضمان الاجتماعي -المخصص للفئات الأشد احتياجا- أو أي مساعدات مالية أخرى.
وتشمل الموازنة الجديدة ايضا زيادة دعم السلع التموينية عشرة بالمئة إلى 34.057 مليار جنيه.
تعليقات الفيسبوك