وصف المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الشهور الثلاثة الأولى من حكم الرئيس محمد مرسي بأنها "مئة يوم من سياسات التهميش والتجاهل".
وكشف المركز، في تقرير أصدره اليوم لتقييم الأداء الاقتصادي والاجتماعي للرئيس، عن تزايد الاحتجاجات الاجتماعية خلال المائة يوم الأولى من ولاية مرسى، حيث تجاوز عدد الاحتجاجات خلال ثلاثة أشهر أكثر من 1591 احتجاجا.
وأكد المركز أن تزايد عدد الاحتجاجات الاجتماعية وتنوعها ما بين احتجاجات أطباء إلى مدرسين وسائقى النقل العام وغيرها، مؤشر على عدم رضا المواطنين عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية لمرسى، والتى يرى أنها تهمش عامة الشعب وتتجاهل أبسط حقوق المواطنين.
وفى هذا السياق، قالت د سلوى العنترى، خبيرة اقتصاد ومديرعام قطاع البحوث بالبنك الأهلى سابقا، فى تصريح لـ"أصوات مصرية"، إن لهذه الاحتجاجات الاجتماعية مطالب أصلية قامت الثورة من أجلها عندما رفعت شعار العدالة الاجتماعية، رافضة الاشارة إليها على أنها فئوية.
وأكدت العنترى على وعى الناس وإدراكهم أن الإصلاح والتغيير يحتاج إلى وقت إلا أنه لا توجد أى مؤشرات تدل على إقدام السلطة الحالية على إحداث أى تغيير في سياسات النظام السابق.
وقالت "المائة يوم الأولى لمرسى كافية للحكم عليه، لأنها توضح توجهاته العامة وانحيازاته."
واحتل القطاع الحكومى النصيب الأكبر من جملة الاحتجاجات خلال تلك الفترة بعدد 615 احتجاجا، فى حين قام الأهالى بنحو 595 احتجاجا وسجل القطاع الخاص 143 احتجاجا، واحتلت القاهرة المتربة الأولى، لتسجل 238 احتجاجا تليها الغربية بحوالى 150 احتجاجا.
وأشار المركز إلى تنوع الوسائل التى استخدمها المحتجون لتوصيل صوتهم والضغط على المسؤلين والتى تبدأ من التظاهر والاضراب عن العمل والطعام وقطع الطريق وصولا إلى إغلاق مقرات حكومية واحتجاز مسؤلين فى مكاتبهم وخلع الملابس وإحراق النفس والامتناع عن دفع الكهرباء.
ويقول المركز المصرى أن النظام بأجهزته الشرطية ومسؤليه ورجال الأعمال فى المصانع فشلوا فى التعامل مع تلك الاحتجاجات وواجهوها بتعسف وقمع مفرط.
وتنوعت أشكال التعسف مابين فصل أو وقف عن العمل وخصم فى المرتب أو التحويل للتحقيق فى النيابة العامة أو الإدارية كسياسة ترهيب وتهديد، فضلا عن الضرب والسحل والاعتقال، حيث تم فصل أكثر من 200 عامل على مدار الثلاثة شهور الماضية، والقبض على آخرين أثناء تظاهرهم بشكل سلمى وتحويلهم للتحقيق كما حدث مع عمال النقل العام وعمال التشجير، كما قامت قوات الشرطة بالقبض على عدد من العمال والموظفين من داخل منازلهم مثلما حدث مع موظفى جامعة الزقازيق.
وامتدت أشكال القمع، وفقا لتقرير المركز المصرى، إلى الاعتداء على العمال المعتصمين بعد تحريض أصحاب الأعمال ضدهم مثلما حدث مع عمال مصنع عصفور للتعدين وعمال مصنع سيراميكا كليوباترا فى السويس، فضلا عن رصد حالات اعتداء على الأطباء المضربين فى المستشفيات.
وأشار المركز أيضا إلى حالات إغلاق المصانع وتشريد العمال فى كل من سيراميكا كليوباترا وشركة جاك لصناعة السيارات.
ويتساءل المركز عن وعود العدالة الاجتماعية التى وعد مرسى بتطبيقها، فقد أطلق الرئيس يد الشرطة فى التعامل التعسفى مع مطالب المتحجين ووقف بجانب وزير القوى العاملة، خالد الأزهرى، دون التصدى لسطوة رجال الأعمال فى مواجهة العمال والموظفين.
ورفضت العنترى تعلل الحكومة الحالية بقصر ذات اليد وعدم توافر الموارد اللازمة لتلبية مطالب الاحتجاجات المتزايدة للمعلمين والأطباء وعمال النقل العام وغيرهم، مؤكدة إمكانية تحقيق هذه المطالب إذا ما توافرت الإرادة السياسية لذلك.
وتقول العنترى إن السلطة الحالية كانت تستطيع تمويل مطالب هذه الاحتجاجات عن طريق فرض ضرائب تصاعدية وأخرى على الثروة وأرباح البورصة، إلا أن رفض هذه الاقتراحات جميعا يعد استمرارا لنفس سياسات النظام السابق.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى عدم وجود آلية واضحة يطبق من خلالها الحد الأقصى للأجور، رغم وعود إنشائية بتطبيقه، مؤكدة إمكانية تمويل مطالب زيادة الحدود الدنيا للأجور إذا ما طبق هذا البند على من يتقاضى مئات الآلاف شهريا.
وتضيف العنترى "الحكومة الحالية تتعلل بالعجز ومستوى الدين وتطالبنا بشد الحزام أكثر، لكن هل من المفترض أن يبدأ بهذا الإجراء، الملايين التى عانت طوال العقود الماضية، أم الأغنياء ورجال الأعمال الذين استفادوا دون وجه حق من النظام السابق؟!."
ومنذ توليه منصب رئيس الجمهورية، حرص الرئيس مرسى على تطمين رجال الأعمال من خلال عقد لقاءات معهم وإقامة رحلات دولية مشتركة وإطلاق التصريحات المطمئنة للمستثمرين فى الداخل والخارج، إلا أنه أمام هذا لم يبذل الجهد لطمأنة الطبقات المتوسطة والفقيرة على مستقبلها، وفقا لدراسة المركز المصرى.
ورغم احتفاظه بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، أبقى مرسى على القانون رقم 4 لسنة 2012 ، الذى يحصن المستثمرين ضد أى مسائلة قضائية فيما يتعلق بجرائم الاختلاس والفساد المالى، ليتم استبدال المحاكم بلجان تصالح ودية مع المستثمرين، كما رفضت السلطة الحالية تنفيذ أحكام قضائية قضت باسترداد الحكومة لأراضى وشركات بيعت بأسعار بخسة فى صفقات فاسدة.
ويقول المركز المصرى إن السياسات الحكومية هذه تضيع على الدولة مليارات الدولارات فى وقت تتذمر فيه من اتساع عجز الموازنة.
وترفض العنترى كل المبررات التى تصوغها الحكومة فى الدفاع عن صفقات المصالحة مع رجال الأعمال المتورطين فى قضايا فساد بدعوى منع هروب الاستثمارات لأن من شأنها تشجيع الفساد وضياع مليارات يمكن الاستفادة بها فى تمويل التنمية، مطالبة بعدم التمسك سوى بالاستثمارات الجادة وفقا لقواعد شفافة.
ويقول التقرير إن الحكومة الحالية تنتهج نفس السياسات النيو ليبرالية، التى كانت تنتهجها حكومة نظيف، بالاتجاة إلى تقليص الدعم واستئناف سياسات الخصخصة والتوسع فى الاقتراض من الخارج.
وينجلى تطابق توجهات الإخوان مع النظام السابق فى تصريحات سابقة لحسن مالك – القيادى الإخوانى – قال فيها إن السياسات الاقتصادية لمبارك كانت صحيحة ،إلا أنه شابها الفساد.
ويعتبر شكل الموازنة العامة للدولة مقياسا لأولويات الدولة ومدى انحيازها لأطراف على حساب أخرين . ويقول المركز أن الموازنات المتعاقبة بعد الثورة لم تختلف فى هيكلها نهائيا عن موازنات النظام السابق .كما أن الموازنة أعدت بنفس الأساليب البعيدة كل البعد عن الشفافية وإشراك المواطنين فى صياغتها.
وعن دلالة هيكل الموازنة العامة وأولوياتها، تؤكد سلوى العنترى أن بند الإيردات الضريبية يأتي الجزء الأكبر منها من الضرائب الاستهلاكية (الضرائب الغير مباشرة)، التى يتحملها غالبية المواطنين، ما يشير إلى استمرار تحميل السلطة الحالية العبء الأكبر على المواطنين فى مقابل محاباة رجال الأعمال والأغنياء.
ورغم وعود مرسى بتنبى سياسات قائمة على الاستقلالية والتنمية والاكتفاء الذاتى، يرى المركز أن المائة يوم لولاية مرسى أظهرت توجها قائما على التبعية والاستدانة، فوفقا لوزارة المالية، ستتلقى مصر تمويلا خارجيا بقيمة11 مليار دولار فى 2012-2013، كما رفع مرسى قيمة قرض صندوق النقد الدولى من 3.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار.
ويقول التقرير إن دخول الرئيس مرسى فى اتفاقيات التمويل الدولية يجعله خاضعا لشروط تلك الاتفاقيات التى تنادى بتبنى سياسات السوق الحر وتقليص دور الدولة والدعم.
وعن أزمة السكن فى مصر والعشوائيات، أكد التقرير أن سياسات الرئيس خلال الأشهر الماضية لاتختلف عن سياسات النظام السابق، مشيرا إلى ما حدث خلال أزمة منطقة رملة بولاق كدليل على استمرار التعسف ضد سكان العشوائيات وعدم وجود رؤية شاملة للتعامل مع مثل هذه القضايا.
تعليقات الفيسبوك