تناول تحليل أصدرته اليوم مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" الأزمات السياسية المتعددة الحالية في مصر بعنوان (أزمة المرحلة الانتقالية في مصر: الوقوع في النموذج التركي الخطأ؟).
واستعرض التحليل الذي كتبته "مارينا أوتاوي" و"ناتان براون" الأزمة المتعلقة بتشكيل الجمعية الدستورية وموقف الأحزاب العلمانية والسياسيين المستقلين منه، قائلا إنها "هُزِمت سياسياً، وليس من المحتمل أن تحقّق انتصارات انتخابية في المستقبل القريب نظراً إلى تفكّكها وافتقارها إلى التنظيم على أرض الواقع.
ويرى المقال أن اتجاه القوي العلمانية إلى المحاكم - بدعوتين قضائيتين ضد قانون الانتخابات الذي تم انتخاب البرلمان على أساسه، وتشكيل الجمعية التأسيسية التي انتخبها البرلمان - هو "مناورة مسيّسة للغاية تهدف إلى وقف صعود الأحزاب الإسلامية".
ويرى الكاتبان أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الشفرة الحقيقية في كل هذا، ويتساءل عما إذا كانت المؤسسة العسكرية ستستغل الأزمة لفرض عملية سياسية جديدة، وحل البرلمان، وكتابة دستور بطريقة اخرى.
وتساءل الكاتبان عن كنه النموذج التركي الذي يدعو البعض مصر لأن تتبناه، وهل هو إقامة نظام يُسمَح فيه للجيش بالاحتفاظ بالرقابة الأساسية على العملية السياسية، أم هو صعود حزب إسلامي إلى السلطة يبتعد عن العقيدة الدينية، ويصبح حزباً سياسياً واسعاً، محافظاً على الصعيد الاجتماعي وليبرالياً على الصعيد الاقتصادي.
لكن المقال يرى أن هناك معنى ثالثا للنموذج التركي، هو نموذج تضرُب فيه عناصرُ يسمّيها الأتراك "الدولة العميقة" (أي الجيش والأجهزة الأمنية، مدعومَين بمؤسسات أخرى رئيسة، بما في ذلك أجزاء من السلطة القضائية) الحركاتِ الإسلاميةَ بقوّةٍ، تشجّعها، في سياق هذه العملية، الأحزاب السياسية المدنية غير الإسلامية التي تخلع عنها بسرعة أوراق اعتمادها الديمقراطية، حين تعتمد على الجهات الفاعلة غير الديمقراطية لسحق خصومها الإسلاميين.
ويرى المقال أن الأحزاب العلمانية تتجه الآن إلى القضاء كملاذ أخير، وهي بالإضافة إلى ذلك، سحبت أيضاً معظم ممثّليها من الجمعية التأسيسية.
وقد انضمّت إلى المقاطعة بعض الجهات المؤسّسية الفاعلة الرئيسة الأخرى، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا ، وجامعة الأزهر، وكذلك جميع الأقباط. وعبّرت جهات فاعلة أخرى (بما في ذلك زعماء الشباب غير الإسلاميين ودبلوماسيون رفيعو المستوى) عن استيائها مما تعتبره إقصاءً لها.
ويرى المقال أنه لايبدو أن القضاء سيكون محايدا في هذه القضية، كما رأينا من خلال القرار الذي اتّخذته المحكمة الدستورية العليا مؤخراً بسحب ممثّلها من الجمعية التأسيسية.
ويؤكد المقال أن جماعة الإخوان المسلمين – التي تركز دائما على الانتخابات كطريق للانتقال للحكم المدني – "انخرطت فجأة في معارك عامة سيئة ومنذرة مع كل أنواع الجهات السياسية الفاعلة. في كل الأحوال، تستطيع الجماعة الادّعاء بشكل معقول بأن المبدأ يقف في صفها، لكن نادراً مايمكن القول إنها تتصرّف بتعقّل أو بحكمة.
وذكر المقال كيف أن الجماعة غيرت موقفها بشأن تقديم مرشح رئاسي، وهاجمت المحكمة الدستورية – التي يقود رئيسها أيضا لجنة انتخابات الرئاسة - واصفة إياها بكونها أداة للمجلس العسكري الذي هاجمته أيضا بلغة عنيفة.
وقال التقرير "يبدو أن الجماعة، التي تتصرّف وكأنها حيوان جريح أكثر منها حكومة بديلة، فقدت صوابها الجماعي".
إلا أن المقال يرى - في حالة حكم القضاء بحل مجلس الشعب - أن تظل قراراته سارية كما حدث في أحكام سابقة ،وهذا يعني بقاء الجمعية التأسيسية على حالها، في حين يعيد الناخبين المصريين المنهكين إلى صناديق الاقتراع في عملية اقتراع من شأنها أن تفضي بلا شك إلى نتائج مماثلة.
ويرى المقال أن تراجع الأطراف المتنازعة قد يؤدي بمصر في الواقع في اتجاه المفاهيم الأكثر اعتدالاً للنموذج التركي "جيش يبقي أصبعه على زناد الماكينة السياسية بوسائل تمزيقية وغير ديمقراطية، وحزب إسلامي يستغلّ شعبيته لتحريك المجتمع ببطء في اتجاهه، على أن يخترق ببطء جيوب الدولة والمجتمع التي كان قد حرم منها".
ويخلص التقرير إلى النتيجة قد لا تكون مثالية، لكنها قد تكون أفضل بكثير من معركة تتبارى فيها الدولة العميقة مع حركة اجتماعية عميقة الجذور، في صراع حتى الموت.
وفي ظلّ أي من السيناريوهين الاثنين، قد تكون الأحزاب العلمانية من بين الخاسرين.
تعليقات الفيسبوك