يتذكر عياد الديب*، لحظات جلوسه حزينا وقد اسند رأسه على راحة يده اليمنى التي اتكأ بها على ما تبقى من جزع شجرة زيتون مغروسة بأرضة البالغ مساحتها خمسة أفدنة بناحية قرية اللفتات التابعة لمدينة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء.
حُزن الديب جاء بين ليلة وضحاها حين أبلغته قوات الأمن بشمال سيناء أنهم سيقومون بتجريف وقطع أشجار الزيتون بمزرعته كإجراء أمني لكشف المنطقة وتسهيل القضاء على الجماعات المسلحة التي تتوارى بمزارع الزيتون وتطلق الرصاص على الأمن.
"لو تجريف مزرعة زيتوني هو اللي هيقضي على الإرهاب.. أنا مش زعلان"، هكذا يقول الديب. ويضيف أن الجماعات المسلحة تتحرك وتهاجم قوات الأمن على الرغم من إزالة آلاف الأفدنة من المزارع بمناطق العريش، والشيخ زويد، والمنطقة الحدودية، ورفح.
يقول الديب إن فدان الزيتون الواحد (4200 متر مربع) يزرع بعدد 70 شجرة زيتون على مسافات بينية من 4 إلى 5 أمتار ويتراوح سعر الشجرة المُعدة للزراعة ما بين جنيه ونصف للصغيرة و5 جنيهات للكبيرة والتي تبدأ في طرح محصول بعد عامين أو ثلاثة من الزراعة.
ويضيف الديب أن إنتاج فدان الزيتون يتراوح ما بين 5 إلى 7 أطنان في الموسم الواحد الذي يبدأ من شهر يوليو وينتهي في شهر فبراير. وأوضح أن سعر الطن كان يصل إلى 4 آلاف جنيه قبل العام 2013، واستمر سعر الطن في الانخفاض حتى وصل إلى ألف جنيه خلال موسم الزيتون المنصرف منذ أربعة أشهر نتيجة عدم قدوم التجار من الدلتا لشراء المحصول.
وتشهد محافظة شمال سيناء منذ مارس 2013 مواجهات أمنية مع تنظيم أنصار بيت المقدس الذي غير اسمه إلى "ولاية سيناء" بعدما بايع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتشدد في نوفمبر 2014 .
مزارع "الإرهاب"
وقال مصدر عسكري، طلب عدم ذكر اسمه، إن قرار إزالة جزء من المزارع جاء بعد أن استخدمتها "الجماعات الإرهابية" ستاراً لتحركاتها، موضحا أن، القوات المسلحة طلبت من محافظة شمال سيناء تجريف ما بين 50 إلى 100 متر من الزراعات بجوار الشريط الحدودي وعلى جانبي الطريق الدائري وطريق (العريش- وسط سيناء) وطريق المطار، وهي المناطق التي تعتبر محور تحركات في الحملات الأمنية.
وأكد المصدر لأصوات مصرية أن عمليات إزالة أشجار الزيتون وغيرها من المزارع، لم يكن بهدف مضايقة أهالي سيناء نهائيا، لكن بسبب ضرورة أمنية ملحة.
وشدد على أن أصحاب المزارع لم يتعاونوا بشكل متعمد مع تلك العناصر، إلا أن الجماعات "الإرهابية" تفرض سيطرتها على الأهالي، بقوة السلاح والترهيب. وأوضح أن الإزالة تؤدي إلى تقييد تحركات المسلحين لتنفيذ عملياتهم واستهداف رجال الجيش والشرطة، كما تعطي مجالا أوسع لقوات الجيش لمراقبة تحركات العناصر المسلحة عن بُعد والتعامل معهم قبل الاقتراب من الأكمنة واستهداف أفراد الكمين.
وأشار المصدر إلى أنه في مذبحة "كرم القواديس" كان للزراعات دور كبير في مساعدة المسلحين الذين استخدموها في الهجوم المفاجئ.
وأضاف أن تصوير العملية أوضح أنهم استخدموا المزارع لتحقيق عنصر المفاجأة، حيث اختبئوا على بُعد كيلو متر وسط الزراعات، وبعد أن تم تفجير السيارة المفخخة توجهوا إلى مكان الواقعة للاشتباك المسلح.
وكشف المصدر أن المزارع تستخدم على شكل قواعد لإطلاق قذائف الهاون على الأهداف الأمنية والإستراتيجية، حيث يصعب رصد العناصر المهاجمة، سواء بالعين المجردة أو الطيران.
وأطلقت القوات المسلحة مطلع الأسبوع الجاري مبادرة لزراعة 2.5 مليون شجرة زيتون بشمال سيناء بالتعاون مع وزارة الشباب، علاوة على إقامة مشروعات تنموية لصناعة الزيتون. وستكون المزارع في أماكن مختلفة عن التي تم تجريفها وستساعد في تعويض المتضررين من أصحاب المزارع.
معاناة المزارعين
سالم أبو عليان، صاحب مزرعة زيتون مساحتها ثلاثة أفدنة جنوب العريش، لم يتم تجريف أرضه، إلا أنه يعاني هو الآخر من أن الحرب الدائر رحاها في سيناء جعلته يترك محصول الزيتون الخاص به دون جنيه، حتى تلف بأكمله، وتساقط على الأرض.
وفسر عليان هذا بعدم قدرته على جلب عمال للجني، حيث يتخوفون من القدوم إلى مزرعته خشية إصابتهم بالرصاص أثناء المواجهات الأمنية.
وأوضح عليان أنه توقف عن تسميد أشجار الزيتون الخاصة بمزرعته "منذ بدأت الحرب على الإرهاب" لأن بعض الأسمدة المستخدمة في الحقل تكون من نوع نترات البوتاسيوم والذي يستخدم لتصنيع المتفجرات فإذا ما وجدتها الحملات الأمنية في الحقل يتم القبض على صاحب الحقل بتهمة حيازة مواد معدة لتصنيع متفجرات.
ويضيف عليان أن عدم الاهتمام بمزرعته جراء الحرب الدائرة نتج عنه ضياع محصول بالكامل.
مزارع الخوخ والنخيل
لا يختلف حال زراعات الخوخ والكلمنتينا والنخيل كثيرا عن حال مزارع الزيتون، فيقول أيمن صباح صاحب مزرعة خوخ 7 أفدنة بمنطقة المقاطعة جنوب الشيخ زويد، إن العام الماضي شهد انتكاسة في محصول الخوخ بعد إزالة عدد من المزارع.
وأرجع صباح إزالة قوات الأمن لعدد من مزارع الخوخ إلى أن المسلحين قاموا بتفخيخ أرضية المزارع التي تقترب من الطرق لمنع مرور قوات الأمن منها بعد تفخيخ الطرق أيضا .
وقال صباح إن مصدر رزقه الوحيد الذي يقتات منه هو وأسرته هو مزرعة الخوخ التي كانت تدر عليه سنويا مبلغ 25 ألف جنيه لكل فدان يبيع ثماره.
وأوضح صباح أن منطقته لا يوجد بها الكثير من مزارع الكلمنتينا ولا النخيل لعدم صلاحية التربة لزراعة ذلك، وإنما تشتهر مناطق أخرى شرق وغرب مدينة بئر العبد بزراعة تلك الأنواع من الأشجار.
تعويضات الدولة
وقال مصدر أمني بشمال سيناء لأصوات مصرية إن تعويضات التجريف وقطع الأشجار تحددها الحكومة وتسلمها محافظة شمال سيناء، موضحا أنه تم تسليم الدفعة الثانية من الشيكات الخاصة بالتعويضات لعدد 127 مزارعا قيمتها 15,5 مليون جنيه.
وأشار إلى أن المزارع المتضررة تقع في مناطق ساحل البحر ومحيط الطريق الدولي بالعريش والشيخ زويد ورفح، وكانت مزروعة بأشجار الخوخ والنخيل أيضا وليس الزيتون فقط.
وقال إنه سبق صرف تعويضات المرحلة الأولى لعدد 386 مزارعا في رفح والشيخ زويد في مناطق ساحل البحر ومحيط الطريق الدولي، وإنه سيتم مواصلة صرف التعويضات المقدرة للمزارعين بإجمالي أكثر من ألف مزارع في العريش والشيخ زويد ورفح، والتي تصل قيمتها إلى 72 مليون جنيه عن المساحات الزراعية المتضررة والمقدرة بنحو 128 ألف فدان، حيث سبق حصرها وتحديد مساحاتها وأسماء المزارعين المالكين لها، وتم رفعها إلى الجهات التنفيذية المختصة لتعويض أصحابها.
وكيل وزارة الزراعة بشمال سيناء عاطف مطر، يؤكد على تراجع المساحات المزروعة والمحاصيل بالمحافظة نظرا للحالة الأمنية هناك.
ويضيف أن التوترات الأمنية في سيناء أثرت على الزراعة، مؤكدا أن التأثير تمثل في انخفاض المساحات المزروعة بعد إزالة عدد من المزارع من قبل الجهات الأمنية لتسهيل مهمة السيطرة على الجماعات المسلحة، وتعويض أصحابها ماديا.
وأوضح مطر أن سيناء منطقة ذات ظروف أمنية خاصة، وهو ما قلص حجم الأيدي العاملة في جني المحاصيل وخاصة الزيتون، بجانب تخوف تجار الزيتون القادمين من الدلتا لشراء المحصول من الذهاب إلى سيناء وتوقفهم على المعديات لفترات طويلة.
ويضيف مطر أن التجار قاموا بتعويض شراء الزيتون من محافظة شمال سيناء بشرائه من محافظتي الفيوم ومطروح.
*تم تغيير الاسم لحماية صاحب المزرعة
تعليقات الفيسبوك