استحوذت التكهنات بشأن الحالة الصحية لحسني مبارك على انتباه المصريين منذ أن بدأ تنفيذ عقوبة بالسجن المؤبد في تذكرة بأن ميراثه لا يزال يخيم على البلاد قبل أيام من جولة ثانية في انتخابات لاختيار رئيس جديد.
ورغم أن الرئيس السابق قد يكون أقصي عن السلطة يخشى كثير من خصومه أن تكون مؤسسات الدولة التي أبقته في منصبه على مدى 30 عاما تعيد تنظيم صفوفها لاستعادة قبضتها بعد الانتفاضة الشعبية العام الماضي.
ويواجه المصريون في جولة الانتخابات الرئاسية الحاسمة يومي 16 و17 يونيو حزيران اختيارا صارخا بين محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة وأحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك الذي كان من كبار ضباط الجيش مثل الرئيس السابق.
وقال حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية وهو أيضا من المعارضين البارزين لمبارك "حقيقة أن شفيق مرشح للرئاسة وأن لديه فرصة حقيقية لأن يكون رئيسا يعني بالنسبة لي أن المرحلة الانتقالية أديرت على نحو يؤدي إلى تلك النتيجة."
والتقارير عن وهن صحة مبارك (84 عاما) التي ينقلها العديد من المسؤولين وصحف ووسائل إعلام رسمية والتي تقدم تفاصيل شحيحة ومتضاربة أحيانا حول مرضه لم تؤد إلا إلى تأجيج الشكوك التي تساور معارضي الرئيس السابق.
وينظر منتقدون إلى هذه التقارير باعتبارها محاولة لنقل مبارك إلى مركز طبي وإعفائه من مهانة البقاء في مستشفى السجن. ويقول محامي مبارك إن حالته حرجة ويجري حرمانه من الحقوق الأساسية للسجين في أن يعامل بطريقة لائقة.
وقال مسؤول في السجن إن حالة مبارك كانت مستقرة اليوم الثلاثاء.
وقال نافعة "حاشية (مبارك) استخدمت بالفعل هذه الطريقة لكسب تعاطف الشعب المصري" ولكنه اشار الى انه ليست لديه معرفة مباشرة بحالة الرئيس السابق. وأضاف "نحن في لحظة شديدة الاضطراب."
وأعاد الاهتمام بحالة مبارك الصحية إلى الأذهان أيامه الأخيرة في السلطة عندما كانت تخرج تكهنات من حين لآخر من وراء اسوار قصر الرئاسة حول ما إذا كانت حالته الصحية تسمح له بممارسة مهامه.
وتحول الشعور بالنشوة الذي صاحب الإطاحة بمبارك في 11 فبراير شباط 2011 إلى عدم يقين وقلق عميقين بالنسبة لكثير من المصريين.
وأشرف كبار ضباط الجيش الذين تولوا المسؤولية بعد الإطاحة بمبارك على عملية انتقال اتسمت بالفوضى وكانت دامية غالبا.
والخطوة الأخيرة الحاسمة قبل أن يسلم الجيش السلطة رسميا لرئيس جديد هي انتخابات تعطي المصريين الفرصة لاختيار زعيمهم لأول مرة في تاريخ أمة يمتد لأيام الفراعنة.
ولكن الانتخابات كشفت وجود انقسامات عديدة كما أن نتيجتها أبعد ما تكون عن الوضوح بدلا من أن تكون سببا في توحيد البلاد عبر أول تجربة مثيرة لانتخابات رئاسة حرة.
ويشعر كثيرون ممن خرجوا إلى الشوارع ضد مبارك بالغضب لأن الجيش والشرطة الركيزتين اللتين اعتمد عليهما مبارك في حكمه صمدتا في مواجهة الانتفاضة ولم يجر المساس بهما أو إصلاحهما.
وبينما حكم على مبارك بالسجن مدى الحياة برئت ساحة ستة من كبار ضباط الشرطة لعدم توافر الأدلة. وأدى ذلك الحكم إلى احتجاجات في ميدان التحرير بوسط القاهرة لشعور الكثيرين بأن مبارك يستطيع الآن كسب البراءة لدى الطعن على الحكم.
وقال أسامة أحمد (38 عاما) وهو واحد ممن شاركوا في الاحتجاجات في ميدان التحرير بعد النطق بالحكم "جئت إلى هنا بسبب الحكم العقيم الذي صدر ضد مبارك. الناس جاءوا إلى هنا من أجل ثورة من أجل البلد لكنهم ضحكوا علينا وسرقوها منا."
ويضيف إلى عدم اليقين توقع أن تصدر المحكمة الدستورية يوم الخميس قبل يومين من التصويت في الجولة الثانية قرارها بشأن دستورية قانون يمنع أحمد شفيق من الترشح للرئاسة. وستبت كذلك في دعوى قد تؤدي إلى حل برلمان يسيطر عليه الإسلاميون جرى انتخاب أعضائه مؤخرا.
وهذان الحكمان قد يدفعان مصر من جديد إلى اضطراب سياسي.
وبالنسبة لبعض الناخبين فإن شفيق بخلفيته العسكرية سيكون قادرا على استعادة النظام بعد 16 شهرا من الاضطراب رغم أن فوز شفيق قد يؤدي إلى اضطرابات يثيرها من يرون فوزه عودة لنظام مبارك.
وبالنسبة لمؤيدي الإخوان المسلمين فإن مرسي يقدم فرصة بعد عقود من القمع تمنح الإسلاميين فرصة للحكم بينما يؤيده آخرون لمجرد أن فوزه يضمن انتقالا للسلطة رغم أنهم لا يحبون حقيقة المرشح ولا حزبه.
لكن الناخبين الذين اختاروا مرشحين من الوسط في الجولة الأولى التي جرت الشهر الماضي يواجهون اختيارا صعبا فهم يخشون من وصول إسلامي محافظ إلى السلطة ومن تسليمها لعسكري مثل العسكريين الذين حكموا مصر منذ إقصاء الملك عن العرش في عام 1952.
ويقول البعض إنهم لن يصوتوا في الانتخابات نظرا لعدم ارتياحهم لأي من البديلين.
وقال حسن أبو طالب أستاذ العلوم السياسية "من الواضح أن سباق الرئاسة أحدث استقطابا بين عضو من جماعة الإخوان المسلمين المعارضة التي يصل عمرها إلى عشرات السنين ومسؤول من عهد مبارك." واستطرد قائلا "ولكن لا ينبغي أن ننسى أن معظم الناخبين اختاروا مرشحين من خارج هذه المعادلة."
وحصل المرشح اليساري حمدين صباحي وعضو الإخوان المسلمين السابق عبد المنعم أبو الفتوح اللذان جاءا في الترتيبين الثالث والرابع في الجولة الأولى على نحو 40 في المئة معا من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم. وحصل كل من شفيق ومرسي على أقل من ربع عدد الأصوات.
وينتقد صباحي وأبو الفتوح كلا المرشحين في الجولة الثانية رغم أن أبو الفتوح قال على مضض إنه يتعين على الناخبين تأييد مرسي.
كذلك ألقت حركة 6 أبريل التي حشدت للانتفاضة ضد مبارك بثقلها وراء مرسي على مضض.
وسعى مرسي وشفيق إلى أن يقدم كل منهما نفسه على أنه حارس "للثورة" التي أطاحت بمبارك. ولكن في التحرير حيث انطلقت الانتفاضة لا يقتنع كثيرون بأي منهما.
وقال سامح خليل (24 عاما) "جئنا إلى هنا لأننا لا نريد شفيق ولا نريد مرسي. فوصول شفيق للسلطة يعني وصول مبارك. وإذا وصل مرسي سنصبح مثل (الجمهورية الاسلامية في) إيران"
تعليقات الفيسبوك