مع كل حادث طائفى يستهدف الأقباط، يتطور الحوار لأوضاعهم وللتمييز الذى يتعرضون له على مدى عقود ويغذى كراهية المتطرفين. وبشكل تلقائى تظهر مجموعة من الأكاذيب يتم تداولها فى الخطاب العام لإنكار وجود المشكلة.
الأولى: لا يوجد اضطهاد دينى فى مصر. هى حالات فردية ولكنها ليست سياسة دولة.ــ للأسف هذا ليس صحيحا. التمييز الذى يمارس ضد الأقباط مقنن ويتجلى فى حرمانهم من مناصب بعينها فى الدولة، أو فى اضطهاد بعضهم فى مؤسساتها الرسمية. كما يظهر فى تعامل الدولة مع المسئولين عن الأحداث الطائفية بعيدا عن منظومة العدالة وعن طريق مجالس عرفية تنتهى فى كثير من الأحيان إلى عقاب الضحايا بنقلهم وتهجيرهم من قراهم بدعوى الحفاظ على السلم العام. يضاف إلى هذا التراخى الشديد مع خطاب الكراهية والتحريض المنتشر فى خطب المساجد وأحيانا فى برامج التلفزيون، إضافة لاتهام أقباط بازدراء الأديان لأسباب واهية للغاية.
الثانية: لا يوجد اضطهاد للأقباط فى مصر، وإنما هو اضطهاد للجميع وخاصة الفقراء وغير ذوى النفوذ.ــ هذه أيضا أكذوبة شائعة تهدف إلى تمييع المشكلة. وبصرف النظر عن رأى من يتداولون هذه الحجة فى تعامل الدولة مع مواطنيها، فمسألة الاضطهاد أو التمييز ضد قطاعات تختلف عن أو تتقاطع مع جمهور الأقباط لا تنفى ما يجرى معهم. لا نستطيع أن ننفى أو نقلل من بشاعة التمييز العنصرى ضد السود فى بلد من البلاد مثلا، بحجة وجود تمييز مماثل ضد ذوى الأصول الأسيوية.
الثالثة: هناك عوامل عديدة تتسبب فى غضب البعض من الأقباط وأهمها دعم البابا تواضروس للنظام الحالى. وكذا وقوف قطاعات من الأقباط خلف السيسى.ــ جذور التمييز الطائفى ضد الأقباط فى مصر قديمة وتسبق الخلاف السياسى الحالى بين النظام وجماعات الإسلام السياسى. الروايات المتداولة حول حادث قتل طبيب قبطى فى العريش أخيرا، تقول إن قاتليه أمروه بالتخلى عن دينه وعندما رفض أعدموه. الأيديولوجية التى يبرر بها المتطرفون تعاملهم مع الأقباط ليست سياسية وإنما تستقى جذورها من تفسيرات بعينها لمفاهيم الجهاد، ونشر الدين، ولموقف الإسلام من المغايرين فى العقيدة (الكفار).
الرابعة: الاضطهاد متبادل. الأقباط والمسلمون يمارسون الاضطهاد ضد بعضهم البعض، وكثير من المنشآت أو المؤسسات المملوكة لأقباط يتم التمييز فيها ضد المسلمين وخاصة الملتحين أو المحجبات أو الملتزمين دينيا.ــ من الجائز جدا فى ظل مناخ التمييز والتعصب أن يكون هناك رد فعل يتمثل فى ممارسات تمييزية من قبل بعض أصحاب الأعمال الأقباط ضد مسلمين، أو العكس. ولكن هذا لا علاقة له بالتمييز ضدهم فى مناصب الدولة ومؤسساتها. والحل الوحيد للقضاء على كل مظاهر التمييز فى المجتمع هو إعلاء قيم المواطنة والاختيار والترقى بناء على الكفاءة والالتزام فحسب، وأن تضرب الدولة المثل للجميع.
الخامسة: البطش والتعامل الأمنى مع كل القضايا هو الذى يفرخ التطرف. كثير من ضباط وجنود الجيش والشرطة قتلوا بواسطة الإرهابيين ولكن يتم التركيز على الأقباط فقط لخلق حالة من التعاطف معهم.ــ الدكتاتورية والقمع قد يخلقان مناخا يتزايد فيه العنف والتكفير والقتل على الهوية. وسقوط جنود الجيش والشرطة يأتى فى سياق معركة الدولة مع الإرهاب ولا علاقة له باستهداف الأقباط وكنائسهم لأسباب دينية وعقائدية من قبل المتطرفين.
السادسة: لا يوجد اضطهاد للأقباط، على العكس الدولة تضطهد المسلمين بدليل ما يجرى مع الإخوان والمنتمين لجماعات إسلامية.ــ الدولة لا تضطهد المسلمين. وأية تجاوزات غير مشروعة من قبل أجهزة الأمن مع بعض المنتمين أو المشتبه فى انتمائهم لجماعات الإسلام السياسى تأتى فى إطار خلاف على السلطة وأسبابها سياسية وليست دينية.
السابعة: التطرف ضد المغايرين فى العقيدة سببه القمع والدكتاتورية والبطش. والمسئول الأول والأخير هو غياب الديمقراطية الحقيقية.ــ من الممكن الدخول فى حوار مجتمعى حول الأسباب التى تشكل بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف ولكن لا ينبغى أن ننفى عن الفاعل المباشر مسئوليته، أو أن نتغاضى عن الأصول الفكرية والعقائدية الداعمة لفكر الإقصاء والتكفير والتى يغذيها مشايخ ورجال دين يروجون للطائفية باعتبارها صورة من صور الإيمان الحق وشكلا من أشكال الطاعة للخالق.
المقال منشور في عدد صحيفة الشروق الصادر يوم الأحد 5 مارس 2017.