قبل سنوات قال لى شخص أثق به إن بعض الترقيات فى مستويات معينة فى وزارة التربية والتعليم، كانت تتم أحيانا بدفع جنيهات ذهبية، يتحدد عددها بنوع الترقية، لم تكن هذه الجنيهات تذهب إلى الوزير بل إلى خلايا معقدة داخل هذه الوزارة.
هذه الخلايا جزء من شبكة فساد واسعة النطاق داخل العديد من الوزارات فى مصر خصوصا الخدمية منها.
وزارة التعليم كانت هى المصيدة التى وقع فيها كل وزير دخلها، منذ سنوات طويلة، ليس لعيب فى الوزراء، لكن بسبب «المشكلات والبلاوى المتلتلة داخلها» وأوكار الفساد التى تعشعش فى العديد من أوكارها.
الفساد العادى من سرقة واختلاس ورشاوى أمر يمكن أن تتكفل به هيئة الرقابة الإدارية، وسائر أجهزة الرقابة الأخرى، لكن المشكلة الأخطر فى وزارة التعليم تحديدا هى فساد كثير من العقول وآليات التفكير التى تحارب كل جديد وترى أنه يهدد عرشها.
وبالتالى فإن إحدى المهمات الأساسية لوزير التعليم الجديد الدكتور طارق شوقى هى أن يحضر أكبر كمية ديناميت ممكنة لكى ينسف بها هذه العقليات وأوكار الفساد حتى يبدأ مهمته «على نظافة» وحتى لا يقع فى المصيدة التى وقع فيها معظم من سبقه.
بكل المعانى والأوصاف والمفاهيم، لا يمكن للوزير الجديد أو لأى هيئة أو مؤسسة أو حكومة، أن يطوروا التعليم بهذه العقول. لا أدعو بالطبع إلى نسفها بالديناميت، بل هو تعبير مجازى، ولا أدعو إلى قطع أرزاقهم، بل يجب أن يتم «ركنهم» فى أى مكان، إلى أن تتم إحالتهم للمعاش، بحيث لا يقومون بتعطيل «المراكب السايرة».
أى تطوير حقيقى للتعليم سوف يصطدم مع مصالح غالبية من يتحكمون فى العملية التعليمية، مثل أن أى تطوير لقطاع الصحة سيصطدم بالحيتان الذين يسيطرون على جوانب كثيرة من المنظومة الصحية.
وبالتالى فقبل أن نتحدث عن المناهج والفصول والمدرسين والكثافة، علينا أن نكون واثقين من أن الحلقات الوسيطة التى ستقوم بتطبيق التعليم الجديد المتطور، تؤمن أصلا بهذا التطور.
قبل شهور كنت أتناقش مع أحد كبار قيادات وزارة التعليم، وأقسم لى أن السبب الرئيسى فى عملية تسريبات الامتحانات فى الثانوية العامة وغيرها هو «عصابة» معظم أطرافها داخل المنظومة التعليمية.
استمرار هذه المنظومة يسمح لأطراف هذه العصابة بالاستمرار فى التربح من هذا النظام الفاشل. الأمر يشبه ثورة بعض أصحاب المخابز وموظفى التموين والسماسرة والمضارين من منظومة الخبز والسلع التموينية حينما تم تطبيقها على الرغم من بعض الانتقادات التى تعرضت لها، لأن هذه المنظومة ــ على الرغم من كل التحفظات ــ ضربت العديد من مصالح لوبيات الفساد.
للأسف الشديد ونحن نتحدث عن مشكلتى التعليم والصحة، بل وسائر مشكلات قطاع الخدمات المختلفة، ننسى أو نتناسى دور هذه العصابات التى ترسخت جذورها وتفاقم خطرها، وتقوم بمحاربة أى شخص يريد الإصلاح أو التغيير، وبالتالى فإن هذا الشخص لا يكون أمامه إلا الانصياع لرغباتها والغرق فى مصائدها، أو «شراء وتكبير دماغه» بالانعزال والانزواء وترك الأمور تسير كما هى او الاستقالة.
بالطبع هذه القيادات ليست هى السبب الوحيد فى الأزمة التعليمية، بل هناك المناهج والفصول المكتظة، وعدم تأهيل المدرسين بصفة مستمرة وضعف رواتبهم، ودورانهم فى «ساقية الدروس الخصوصية»، لدرجة أننا وصلنا إلى أن «السناتر» صارت نظاما تعليميا موازيا لا يمكن القضاء عليه بسهولة.
السؤال: هل نستطيع إيجاد منظومة متكاملة تحل محل هذه «المنظومة الخربة»، وأن يكون لدينا كوادر حقيقية مؤمنة بها وقادرة على تطبيقها؟
أتمنى أن يكون الدكتور طارق شوقى وزير التعليم لديه إجابات حقيقية لهذه الأسئلة، والأهم قابلة للتطبيق.