مر اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث دون أن يُلقي الإعلام الضوء على هذه العادة التي لازالت موجودة بشكل كبير في مجتمعاتنا الأفريقية. فبحسب دراسة أجرتها اليونيسيف فإن ترتيب مصر يعد متقدما جدا في إجراء هذه العملية الوحشية التي تحرم المرأة من حقها في اتخاذ قرار مصيري ببتر جزء من جسدها. وينوب عنها في اتخاذ القرار ولي الأمر والموكل إليه رعايتها وسلامتها البدنية والنفسية. هو نفسه يأخذ قرار بانتهاكها وتعذيبها وتعريتها، وهي مالها من أمرها شيء.
تتوالى الحكايات بين السيدات خاصة المتزوجات عن ذكرياتهن الأليمة عن مشهد لازال مطبوعا في الذهن محفورا بألم وصراخ رهيب. وكيف كانت هذه الصدمة حاجزا نفسيا لم يستطعن تجاوزه ولو بعد عشرين عاما من شدة بشاعته. وكيف أنهن كَوّنَ رأيا غير قابل للتصحيح عن عمليات الجراحة عامة وخاصة من كانت منهن على وعي بالحدث أو في سن البلوغ. فهي لن تذهب لطبيب الجراحة أبدا مهما كان السبب وتوكل كل العتب على كيفية تراخي الدولة في سن القوانين والتشريعات التي تجرم الختان، وكيف أن هناك من يتحايل على القانون لإجراء الختان تحت أي مسمى آخر.
كانت صاحبات هذه الحكايات تبكين أحيانا وهن تروين هذا المشهد وتصفن وجه الطبيب والممرضة ونظرة الأم أو الخالة وهن موافقات على الحدث بل وهن يقولن "بتصوتي ليه هتفضحينا". وكيف أنهن منذ ذلك اليوم وضعن كل هؤلاء في خانة المجرمين من أول الوالدة للخالة للطبيب. وكيف بنت الصدمة حاجزا نفسيا عميقا بين الأم والبنت. وكيف نزلت الخالة من مكانة متميزة إلى شريكة في الجريمة. وكيف أصبح الطبيب هو أداة التعبير عن الغضب لأنها لا تستطيع مواجهة الأم ولا أن تهرب منهم جميعا فترمي اللوم على مجتمع عقيم في تطبيق القوانين المهتمة بالمرأة.
إن أقسى حكاية يمكن أن تسمعها هي من امرأة فقدت الثقة في أمها التي كانت تحبها حبا مطلقا وبعد أن أجروا لها عملية الختان فقدت كل أشكال التواصل مع أمها بسؤال واحد فقط: هل جربتي يا أمي هذا الألم المهين من قبل؟ وأجابتها الأم طبعا، فتقطعت كل أشكال الحب في قلب البنت التي أصبحت اليوم أما لأربعة بنات ورفضت أن يمرن بهذا الألم المهين.
وأخرى تحكي أن أمها هي من كانت تريد ختانها ورفض الأب تماما فانتظرت حتى سافر وأجرت لها هذه العملية بدون علمه، ومن يومها وهي تخلت عن دورها في المنزل وأصبحت الدمل الوارم في البيت على حد قولها. فكما خدعتها أمها وأفهمتها أنهن سيزرن إحدى صديقاتها ثم اكتشفت في منزل الداية الحقيقة، أحالت هي حياة الأم لجحيم من المعاملة البذيئة وإنكار فضل الأم وتوريطها مع الجيران يوميا في مشاكل لا حصر لها. وأخرى تروي أن أمها كانت غير مرحبة بالفكرة ولكن كانوا يحتاجون لمساعدة الأقارب في مصروفات المدارس وغيرها، فأقنعتها جارتها بأن إجراء الختان سيجلب لها نقطة من المهنئين بسلامة البنت بعد العملية، فوجدتها فكرة مناسبة للحصول على النقود. وبعدها أيضا حكت عن جدار نفسي لم تحاول لحظه تجاوزه، فقد كانت في الخامسة عشر من العمر واتخذت قرارا بالزواج من أول فرد يطرق بابهم للهروب من هذه الأم التي فكرت في قص جزء من أعضاء ابنتها لتساعد في مصروفات المنزل.
تتوالى الحكايات لتصنع ألما مزدوجا بين ما يمكن أن تشعر به البنت وهي في موضع الألم المهين وبين ما فقدته من علاقتها بأمها مدى الحياة وبين حياة زوجية غير سعيدة. فلو أن كل أم سألت ابنتها عن رأيها بعد أن تزوجت: ما رأيك في هذا القرار الذي اتخذته بالنيابة عنك لصدمت الأمهات من هول الجريمة التي ارتكبنها في حق بناتهن ولا يجب أن نستثني الآباء أيضا ولكن بنسبة متفاوتة.