كله تمثيل في تمثيل .. كانت كلمات تفوه بها أحد أصدقاء الثانوية تعقيباً على ما شاهده من لقاءات للرئيس عبد الفتاح السيسي في أسوان مع المواطنيين .. توصيف صديقي لما شاهده بأنه تمثيل يشبه مشاهد لقاءات الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالمواطنين دفعني لإتخاذ دور محامي الشيطان ومناقشته في وجهة نظره.. بادرته وأنا أرتدي ثوب الدفاع « الراجل قابل السائحين.. شاهد مباراة مع الشباب.. أمر بالإستجابة لإحدى الفتيات التي طلبت إلغاء قرار ضم قريتها لمشروع المليون ونصف المليون فدان المقرر استصلاحها.. إستمع لشكوى سيدة من أهل أسوان وأمر بحل شكواها.. واستجاب إستجابة فورية لشكوى شاب من صرف مخلفات مصنع كيما في مياه النيل.. أين التمثيل في ذلك؟».
قرر صديقي أن ينتقل بنقاشنا إلى منطقة أُخرى وأخذ الحوار منحي أكثر جدية، وبدء في شرح وجهة نظره قائلاً «كيف يمكن لسيدة عجوز أن تخترق الإجراءات الأمنية دون ترتيب مسبق؟ هل يستطيع أي رئيس دولة أن ينتقل مسافة عشرة أمتار دون أن يكون مخططا لهذا التحرك وتم تأمين خط سيره؟.. هل تتوقع أن يقف مع أي سائح دون أن يكون قد تم تجهيز هؤلاء السياح للقائه؟ وهل تصدق أن حديثه مع الفتاة أو حديث الشاب عن الصرف في نهر النيل مجرد صدفة؟».
أخذ أحد أصدقائنا قرارا بالمشاركة في الحوار واشتبك قائلاً «ما فعله السيسي ليس جديدا على الأنظمة الحاكمة في مصر.. مثلا في عهد مبارك لم يستطع أحد بخلاف أبو العربي في بورسعيد من اختراق موكب الرئيس وكان جزاؤه القتل الفوري وجزاء مدينة الدمار.. أيضاً شاهدنا مبارك يشرب الشاي ويأكل على موائد الفقراء وفي منازلهم.. وكما يتباهى السيسي أنه ابن الجمالية كان مبارك يتباهى أنه ابن كفر مصيلحة أي أن الاثنين يتباهيان بأنهما أبناء الطبقة القادمة من وسط الشعب والاثنين اعتادا سرد روايات وقصص إنسانية قاما خلالها بمساعدة الغلابة.. لكن –والحديث مازال لصديقنا الثالث– قرر رجال السيسي التجويد فسمحوا للسيدة العجوز بالإقتراب وصوتها كان واضحاً كما لو كانت تضع مايك صوت بينما في عهد مبارك كنا نسمع الصوت لكن لم يكن بهذا النقاء للمواطنين أثناء لقاءهم بالرئيس في الشارع وكان هذا يُضفي مصداقية أعلى على اللقاءات.. كذلك قرروا تغيير قوالب الحركة فوضعوا سيناريو سطحي لها مثلما حدث في الإستجابة الفورية للشكوى من صرف كيما.. الأمر باختصار مجرد تغيير في السيناريوهات لكن القالب واحد وكل الأنظمة ترتدي أقنعتها من نفس الصندوق لا تجدد إلا في طريقة الأداء».
قررت أن أنهي الحوار دون أن أخلع رداء المدافع عن نظام السيسي بعد أن شاهدت باقي الأصدقاء على استعداد للاشتباك والإدلاء بدلوهم في الحوار قائلا «لكل نظام طريقته في إيصال رسائله.. السيسي قال إن الشعب يبحث عمن يحنو عليه وهاهو كان يؤكد على أنه الأكثر شعوراً بمتاعب الشعب خلال استقباله للعجوز وانصاته لشكواها و الاستجابة لها وطمأنتها بل قام بنفسه بسقائها من زجاجة المياه التي "تصادف" أنها بحوزة أحد رجاله إذاً كانت تلك رسالته الأُولى.. مشاهدة المباراة هي رسالة على مشاركته الشعب خاصة الشباب منهم في كل اهتماماتهم حتى وإن كانت مباراة كرة قدم فما بالك وأنها مباراة مصيرية في بطولة نتائجها قد تقودنا إلى كأس العالم.. الاستجابة الفورية للفتاة وإخراج قريتها من نطاق المليون ونصف المليون فدان رسالة على الاستجابة الفورية للمواطنيين خاصة الشباب منهم للإبقاء على حقوقهم حتى وإن كانت الاستجابة على حساب المشاريع القومية للبلاد.. التحرك الفوري لموقع الصرف الخاص بـ"كيما" رسالة على التحرك الفورى والإستجابة الفورية لإنقاذ حياة و صحة المصريين و أيضا الإستجابة هنا كانت لمطالب شبابية .. أما صورته مع السائحين فهي صورة منطقية طبيعية يقوم بها أي رئيس مصري في إطار تنشيط السياحة.. إذاً فلنعتبرها رسائل مبطنة من الرئيس للشعب وضعها رجالة في قوالب رديئة الاخراج لكن دعونا نتعامل مع مضمونها ومعناها ويكون تحليلنا لأدائه بناء على النتائج».
هنا تدخل صديق رابع متسائلاً «تفتكروا ماذا سيحدث بعد إنتهاء مهلة الشهور الستة التي طلبها السيسي.. ماذا سيقول لو باءت توقعاته بالفشل ولم يتحسن الوضع أو إزداد سوءا.. وهل سيؤدي التغيير الوزاري المنتظر لأي نتائج إيجابية»، قاطعته مازحا «دعنا نتناقش في هذا الأمر اللقاء القادم خاصة وأني سئمت من رداء الدفاع عن أداء نظام لم ينجح في تنفيذ أي من وعوده التي قطعها على نفسه وعدت بهم للحديث عن ذكرياتنا القديمة التي ننسى بها هموم المرحلة».