انتصارك للحق مبغاة في حد ذاتها وقولك الحق هو أيضا هدف في حد ذاته بصرف النظر عن تعاليم الأديان كلها والتي تقول لنا نفس القيم.. لا تكذب، لا تخون، لا تتملق، لا تدلس، ولكن الناس في سلوكياتهم الاجتماعية لا يعتنون بتعاليم الأديان بقدر اعتنائهم بتعاليم المجتمع.
فقولك الحق في قضية سياسية أو اجتماعية بدون النظر إلى تبعات ملائمة رأيك لمجريات الأمور سيرتفع بك فوق الصغائر. وكثير منا لاحظ كم المجهود الخرافي المبذول من قبل بعض الإعلاميين في قضية ترسيم الحدود المصرية السعودية وجزيرتي تيران وصنافير.
فريق يبرر موقف الحكومة على طول الخط، ويعتبرها على حق لمجرد أنها الحكومة. فتجدهم يرفعون أصواتهم في غير موضع يستحق ذلك، ويلوحون بأوراق لا يعرف أحد محتواها على أنها مستندات، ويستضيفون متحدثين ليس لهم علاقة بالقضية، ولكنهم موافقون على أي قرارات رسمية للدولة، وتجدهم يوزعون التهم للمخالفين لهم في الرأي ليل نهار حتى تفقد التهم هيبتها. فعدد من وجهت له تهمة الخيانة العظمى يكاد يتجاوز عدد سكان مصر.
على الجانب الآخر، هناك كتيبة المحامين المدافعين عن مصرية الجزيرتين والتي طافت تبحث عن الحق في بلدان العالم ومكتباته، دون تشنج أو صوت عال. ومنحهم القضاء بحكمه وساما على صدورهم، وتغنى المصريون بحبهم.
وهناك فئة أخرى لم يكن لها انحياز لقرار الحكومة، وفي نفس الوقت لم تناضل من أجل إثبات مصرية الجزيرتين، ولكنها قالت إن ضميرها لا يستريح أبدا إلى كون الاتفاقية صحيحة وإنها أيضا لا تكذب مزاعم الوزراء المعنيين لأن أبناء تلك الفئة غير مختصين وليس لديهم معلومات.
هذا الفرد كان نموذجا نادرا في قضية الأرض، ووقت النطق بالحكم تجده يجلس أمام التلفزيون مستمعا جيدا ومبتهجا بما قالته المحكمة، تجده لا يغلق وسائل الاتصال الخاصة به خوفا من شماتة الشامتين، تجده متسقا داخليا مع انفعالاته فلا ينحدر إلى السب والقذف، ولا يهلل ويزغرد، لديه رقيب داخلي قوي ومؤشر صدق يبحث معه عما يريح صدره.
يتناقض هذا مع المنفعلين غير الصادقين، فلا تجد لهم أي أثر بعد الحكم، ويحاولون تجنب موقف يبدون فيه كمن ضبط في وضع مخل، فكيف سيبرر حججا وبراهين ساقها العديد من المرات قرابة العام وكيف سيلتقي أهله وكيف سيواجه جيرانه؟.
وقد قال القاضي إن الحكومة لم تقدم أي مستندات تثبت صحة موقفها.
قول الحق مجتمعيا يضفي عليك هالة من الاحترام والتقدير بين محيطك المباشر، وقول الحق أيضا يريحك عضويا، ويجنبك أن تبذل مجهودا إضافيا للتحكم في انفعالات الوجه ولغة الجسد وزلات اللسان التي يمكن أن تفضح الكذب.
وأخيرا قول الحق هو قدرتك في الأصل على احترام ذاتك واحترام الآخرين واحترام قوانين العمل في إيصال رسالة إلى جمهور يمكن أن يثق فيك لو أنك بذلت مجهودا آخر في تحري الصدق.