يبدو أن حصول مصر على عضوية غير دائمة بمجلس الأمن لفترة سنتين والذى بدأ فى الأول من يناير الماضى وتنتهى بنهاية هذا العام قد أصبح عبئا كبيرا على الدبلوماسية والنظام المصرى. عضوية مجلس الأمن تعتبر سلاحا ذا حدين، فهى من ناحية تضمن للدولة مقعدا بين الكبار فى أكثر ساحات العمل الدولى تميزا وأهمية. من هنا يمكن تفهم الدعوة الصينية لمصر بالمشاركة فى اجتماعات قمة العشرين الاقتصادية (الأهم عالميا) من هذا المنطلق. وتمنح العضوية الدولة منبرا مهما يتيح لها عرض مواقفها من جميع المشكلات المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين سواء تلك التى تهمها، مثل قضايا الشرق الأوسط، أو حتى تلك القضايا الهامشية لها مثل ملف السلاح النووى لكوريا الشمالية. إلا أن العضوية فى الوقت نفسه تصبح عبئا بنفس الثقل والأهمية إذا ما ظهر سوء الأداء فى الحكم والتقدير فى المواقف المهمة التاريخية أثناء فترة العضوية.
***
على الرغم من وقوع الكثير من الأحداث خلال السنة الأولى من عضوية مصر بالمجلس، ومشاركة مصر فى مناقشة وإصدار عشرات القرارات التى تتعرض لمختلف أقاليم وقضايا العالم المضطربة، إلا أن كشف الحساب الحقيقى لمصر بالعام الأول من العضوية لن يذكر منه إلا ثلاث حالات.. هم باختصار:
أولا: الامتناع عن التصويت فى مارس الماضى على قرار للمجلس، مقابل موافقة كل الأعضاء الباقيين الأربعة عشر عليه، حول قضية الجرائم الجنسية التى ترتكبها قوات حفظ السلام الدولية أثناء أداء مهامها. ونص القرار الدولى، الذى حمل رقم 2272، على استدعاء وحدات الشرطة أو القوات العسكرية من تشكيلة البعثات الدولية فى حال وردت أدلة مؤكدة تثبت وقائع ارتكاب الجرائم الجنسية من قبل عناصر هذه الوحدات. وطالب القرار باستبدال جميع الوحدات العسكرية، التى قدمتها دولة أثبت أن مواطنيها المشاركين فى البعثات الدولية تورطوا فى ارتكاب جرائم جنسية، وذلك فى حال عدم إجراء سلطات هذه الدول تحقيقات مناسبة وعدم جلب المسئولين أمام القضاء.
ثانيا: تأييد مصر لمشروعين متعارضين بخصوص مدينة حلب السورية خلال أكتوبر الماضى، وهو ما عرضها لانتقادات واسعة على خلفية هذا «الغموض الدبلوماسى»! دعمت مصر مشروع القرار الفرنسى الذى استخدمت روسيا حق النقض ضده، ثم عادت ووافقت على مشروع القرار الروسى الذى رفضته فرنسا وثمانى دول أخرى. وكانت روسيا استخدمت حق النقض ضد مشروع القرار الفرنسى الداعى إلى وقف عمليات القصف فى حلب. ولم يصوت إلى جانب روسيا سوى مصر وفنزويلا والصين. وجاء مشروع القرار الروسى داعيا إلى وقف الأعمال القتالية بصورة أوسع دون ذكر الغارات الجوية، وهو ما أدى إلى رفضه من تسعة أعضاء من أصل الخمسة عشر عضوا. وعلى رغم أوجه الاختلاف بين المشروعين الغربى والروسى، اختارت مصر أن تصوت لمصلحة مشروعى القرارين، وكانت مصر العضو الوحيد فى المجلس الذى صوت لمصلحة القرارين معا، وهو ما أثار استغراب الجميع، وعبر عن غياب رؤية واضحة وحاسمة فى التعامل مع القضية السورية، والاهتمام فقط بإرضاء الأصدقاء المتناقضة أهدافهم مثل فرنسا وروسيا.
الحالة الثالثة والأخيرة كانت الأكثر دراماتيكية إذ سحبت مصر مشروع قرار إدانة عمليات الاستيطان الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بعدما قدمته رسميا قبل نهاية ديسمبر الماضى! وفور سحب مصر مشروع القرار بعد تلقى الرئيس المصرى مكالمات هاتفية ومطالب من رئيس الوزراء الإسرائيلى والرئيس الأمريكى المقبل دونالد ترامب، على الفور قامت أربع دول غير عربية بتقديم المشروع للتصويت عليه فى مجلس الأمن. وهكذا هبت فنزويلا وماليزيا ونيوزيلاندا والسنغال لنجدة فلسطين دبلوماسيا بعد التراجع المصرى، وبعد أن طالبت البعثة المصرية فى مجلس الأمن بتأجيل التصويت بناء على تعليمات رئاسية من القاهرة.
وعندما تحدث مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة السفير عمرو أبو العطا عن أسباب سحب مشروع قرار وقف الاستيطان الإسرائيلى قال بلا خجل أو مواربة «اضطررنا لسحب مشروع قرار إدانة الاستيطان بسبب الضغط والمزايدات»، ثم أضاف: «رغم كل ما تقدم، صوتت مصر لصالح القرار الذى طرح للمناقشة، انطلاقا من مواقفها المبدئية الراسخة، التى لا تقبل التشكيك فيها، وليست محل للمزايدات أو التشكيك». هكذا أثار الموقف المصرى المرتبك ذهول ودهشة بين دول المجلس، وسبب غضبا بين أوساط الشعب المصرى.
***
فشلت وزارة الخارجية فى فهم تعقيدات موازين القوى الدولية المتغيرة، من هنا كان أداؤها داخل مجلس الأمن غير مناسب للتوقعات المصرية حتى الرسمية منها، ناهيك عن التوقعات الشعبية. وعلى الدبلوماسية المصرية العمل لتفهم الأوضاع الداخلية العريضة فى الدول الأعضاء وعلاقاتها ببعضها البعض خاصة التى تتمتع بحق الفيتو. فلو تفهمنا طبيعة العلاقة الملتوية والمعقدة بين باراك أوباما وبنيامين نتانياهو لأمكن تحسين الأداء خلال الأزمة الأخيرة من خلال توقع والاستعداد لعدم استخدام واشنطن حق الفيتو ضد القرار المصرى. وتستدعى تلك التجربة أن تعيد الدبلوماسية المصرية حساباتها كى يكون أداؤها فى مجلس الأمن مرضيا على الأقل للقيادة الحاكمة فى مصر خلال العام الثانى من عضويتها. ولم يقف الفشل عند هذه النقاط المعروفة، بل تخطاه فى ظواهر لا أفهم لها أى تبرير، ولا أعتقد أنه يمكن تبريرها، وعلى سبيل المثال لا يوجد ببعثة مصر بالأمم المتحدة ومجلس الأمن متحدثا رسميا لها يخرج على العالم ليعبر عما تراه مصر وعما تقصده من تبنى هذا الموقف أو ذاك. لا تتمتع البعثة بنيويورك بأى تواصل على شبكات التواصل الاجتماعية الهامة مثل فيسبوك أو تويتر، ولا يكلف إنشاء حسابات هنا أى نفقات مادية، وأستغرب عدم قيام البعثة بنيويورك بهذه الخطوة من جانبها، وأستغرب أكثر عدم تكليف وزير الخارجية للسفير المصرى هناك بضرورة التواصل المباشر والسريع على شبكات التواصل الاجتماعى.
رغم كل ما تقدم خرج علينا مسئولون حكوميون يدعون أن عام 2016 هو «عام الدبلوماسية المصرية»، منوهين بعودة مصر لممارسة دورها الريادى واستشهدوا بأن مصر استقبلت خلال العام المنتهى 55 مسئولا أجنبيا من دول مختلفة، بالإضافة إلى الزيارات الخارجية للرئيس عبدالفتاح السيسى. إلا أن المعيار لا يحسب بالكم بل بالكيف، وهناك بعض اللقاءات مع كبار المسئولين فى دول مختلفة انتهت إلى فشل كبير كما حدث فى لندن أثناء زيارة السيسى لها. وهكذا نقول أن 2016 هو العام الأسوأ للدبلوماسية المصرية على الإطلاق.