تخوض الحكومة ومعها كل أجهزتها وغالبية الشعب حربا ضارية ضد الإرهابيين والمتطرفين وامتداداتهم الإقليمية والدولية.
ولكى تنجح فى هذه المعركة، فلابد أن يكون معها حلفاء وداعمون، السؤال الجوهرى هو: لماذا تصر الحكومة على خسارة الجميع وهى تخوض هذه الحرب، خصوصا أنها تواجه معركة أكثر صعوبة هى الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التى يعتقد كثيرون أنها الأصعب منذ عشرات السنين.
سنضع الشعارات والأفكار والمبادئ والقواعد المنطقية فى السياسة جانبا للحظة بسيطة، ونسأل من زاوية عملية براجماتية مصلحية بحتة: لماذا هذا الإصرار من جانب قوى كثيرة فى الحكومة على الخسارة المجانية لغالبية الأطراف الفاعلة فى المشهد العام؟!
تفاصيل التحديات التى تواجه الحوكمة والنظام معلومة للقاصى والدانى، من أول الإرهاب إلى انفلات الأسعار بشكل غير مسبوق.
أول دروس علم السياسة منذ قديم الزمان عندما تكون فى الحكم فإنه محظور عليك أن تكتل الجميع ضدك، وبالتالى فالأصل هو أن تجعل الجميع معك، وإذا لم تستطع فلتكن الغالبية، فإن لم تستطع فالبعض على الأقل.
إما إن تسعى وتجتهد بكل دأب على أن تكون وحيدا، بل وتخاصم الجميع والأخطر أن تجمعهم ضدك فى جبهة واحدة فذلك أمر يستعصى على الفهم والإدراك!.
وهذا هو الخطأ القاتل الذى ارتكبته جماعة الإخوان خلال وجودها فى السلطة، حيث رفضت الاستماع إلى أى صوت يدعو لتغليب منطق «المشاركة لا المغالبة»، وكانت النتيجة وقتها أن جميع أقطاب ورموز وأحزاب مصر تجمعوا معا ضد الجماعة، وكون غالبيتهم جبهة الإنقاذ التى لعبت دورا مهما فى إسقاط جماعة الإخوان.
وقتها استغرب الناس إصرار الجماعة على العمل منفردة، وبعد سقوط الجماعة قال كثيرون إن هذا الدرس سيظل ماثلا فى عقول الجميع.
تحالف ٣٠ يونيو الذى ضم كل جبهة الإنقاذ إضافة إلى قوى أخرى كثيرة، وساهم فى قيادة البلاد حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم فى يونيو ٢٠١٤، يوشك على الانهيار التام. بعضه صار معارضا، وبعضه مترددا وبعضه يائسا منعزلا.
لم يكن متوقعا أن يستمر التحالف كما هو، لأن ذلك ضد طبائع وحقائق ووقائع السياسة، لكن لم يكن أحد يتصور أيضا أن تخسر الحكومة وأجهزة الدولة كل الحلفاء والداعمين، للدرجة التى صارت فيها مكشوفة، سياسيا ليس فقط أمام المعارضين، ولكن وهذا هو الأهم أمام غالبية المواطنين.
أتمنى أن تبادر الحكومة وتمسك بورقة وقلم وتكتب فيها: من الذى بقى فى معسكرها؟ ومن الذى غادر؟ ولماذا غادر؟!
مرة أخرى لم يكن متصورا أن يستمر الجميع فى نفس المركب، فهناك انتخابات ومنافسة ورغبة فى الحصول على النفوذ والدعم والتواجد والتأثير، لكن على الأقل نحن نسأل كيف يمكن للحكومة أن تستمر من دون حلفاء وداعمين حقيقيين لهم تأثير فى الشارع السياسى، وليسوا مجرد راغبين وساعين للحصول على جزء من الكحكة.
من حق الحكومة أن تخسر شخصا أو حزبا أو جماعة تناصبها العداء وتحاربها، وتصر على مخالفة القانون، لكن كيف يمكن فهم أن تفعل ذلك مع القوى والأحزاب التى وقفت معها وماتزال؟!.
إذا كان مفهوما أن تدخل الدولة فى حرب طاحنة مع جماعة الإخوان بعد لجوئها للعنف، أو مع الجماعات الإرهابية التى تقتل وتدمر وتخرب فى سيناء، فكيف يمكن فهم أن تفعل ذلك مع القوى السياسية والمجتمعية التى دعمتها ضد الإرهاب والتطرف؟!.
ما يحدث فى الساحة السياسية والإعلامية والقانونية والتشريعية، يصب فى اتجاه أن الحكومة تريد أن تسير طوال الوقت بمفردها، على الرغم من أن التركة ثقيلة والتحديات صعبة والمنطقة مضطربة، والإرهاب يضرب بصورة عشوائية.
للأسف الشديد فإن كل الذين ساروا بنفس الطريقة لم ينجحوا، فلماذا تعتقد الحكومة أنها ستنجح؟!.