بلدنا هي حلمنا الذي نعيشه كل صباح حين تشرق الشمس ويشرق الأمل، إن لم يكن عندك أمل فليس لديك وطن. والحلم الذي تعيشه في أرضك وتحققه لا يشبه الأحلام البديلة في وطن بديل، وأحلامنا حين تطير الى أراض مجاورة نسميها غربة، وإستحداث كلمة الوطن البديل يشبه إلى حد بعيد الأم البديلة..الوطن لا يمكن استبداله.
البعض يحسب قضايا الوطن بأرصدة البنوك، وبمتعلقات ذهبية وعدد العقارات التي يمتلكها وكم دولة أتيحت له زيارتها. في الدول النفطية تجد وطن المغتربين تحول إلى "إفيه" مضحك أو مجرد ذكريات عن الفساد الذي استشرى في الدولة، وأحيانا إلى صورة بجوار العلم لم يعد صاحبها يحمل ذكرى واحدة فقط لتاريخ التقاطها.. تجد كثيرين يهتمون بشكل مبالغ فيه بامتلاك سيارات فارهة ويتبارون في استبدال السيارة كل سنة، تجد السيدات لا هم لهن سوى اقتناء المشغولات الذهبية بأرخص ثمن وليس أجمل شكل.
تتسع المسافات أكبر في الغربة. بقدر التباري في اقتناء الممتلكات بقدر الابتعاد عن هموم الأرض، وبنفس قدر تقبلك لبعض الأوضاع التي لم تكن لتقبلها في وطنك، ويختلط وقتها المادي بالمعنوي بشكل كبير فلم يعد يكفي العائد المعنوي لتقبل ضغوط بلدك ولم يعد يكفي العائد المادي لتقبل ضغوط الغربة. قال لي أحد علماء الاجتماع السياسي، إنه بدلا من كلمة "المملكة" في اسم دولة عربية يستخدم كلمة "المهلكة"، لأنها تستقطب بعضا من خيرة شباب مصر لتهلك أحلامهم بعيدا عن التنوير والبحث العلمي. ويقتصر الحلم على رصيد في البنك يفعل صاحبه المستحيل لزيادته باطراد.
آخرون يسمون أبناءهم على أسماء زعماء دول الغربة، لا تعرف لماذا؟ هل يعتقدون أن الحاكم يعرف بهذه المعلومات فيريدون إرضاؤه مثلا؟ أم أنها إشارة للمحيطين في مجال العمل أنهم يحبون البلد ويعشقون حكامه؟ لا أدري.. ولكن أعلم جيدا أن هذه الشعوب تعرف أن كل الأجانب المقيمين لديها لن يستمروا يوما واحدا بدون هذه الأجور الضخمة.
إخواننا المصريون المقيمون في دول الخليج العربي يحبون الاشتراكيين، ويحبون الإخوان، ويحبون شيماء الصباغ، ويحبون مينا دانيال، ولكنهم لا يعرفون أيا من هؤلاء بشكل معمق.. ولا يريدون. فما أن تلتمس من أحدهم طرف حديث عن انتمائه السياسي أو رؤيته فيباغتك بمقولة يحفظونها جميعا عن ظهر قلب (بايظة بايظة) في إشارة إلى أنه لا يوجد حل نهائي وإلى أنه خرج من البلد كي لا يحتك بالسياسة، وكأنه كان جيفارا وهو في مصر مثلا، وتجد معظمهم يستدعي المقولة المنسوبة للزعيم سعد زغلول (مفيش فايدة).. ولا أعرف حقيقة مدى مصداقية انتسابها للزعيم. فتحاول التركيز في حواراتك معهم أن حب الوطن ليس له علاقة بشكل الحاكم ومدى استبداده، لأن الوطن باق وكلنا راحلون، فيصدمك بإجابة أنه أصبح يمتلك سيارتين وسائقا هنديا وينتهي الحديث عند السيارات التويوتا والمرسيدس والكاديلاك، وغيرها.. فهي إنجازاتهم القزمة وهي الحلم الحقيقي الذي تحقق وهي في بعض الأحيان وطن بديل.