تحليلات وآراء

كشفت جريمة تفجير الكنيسة البطرسية عن عمق تغلغل الفكر التكفيرى الإقصائى فى المجتمع المصرى.

بعد كل تعليق أو خبر عن الحادث المؤلم ستجد تعليقات عديدة بين الساخر والمستهزئ والمذكر بأن العقيدة الإسلامية «الصحيحة» لا تقر الترحم على كافر، وتعتبر من يفعل ذلك فى عداد المذنبين بإجماع العلماء.

انتشر فكر التكفير على مدى عقود بجهود «وسطيين» بذل بعضهم جهدا كبيرا لإزالة «الصورة النمطية» عن الكلمة وتحويلها من مفهوم مرفوض إلى كلمة مألوفة وربما محببة.

الداعية الهندى ذاكر نايك بسط المسألة أمام حشد من المتيمين به: «كلمة كافر تعنى ببساطة غير مسلم. لماذا يشعر شخص غير مسلم بالاستياء إذا قيل له أنت لست مسلما؟! سأتوقف عن القول بأنك كافر إذا تحولت للإسلام».

فى السياق ذاته كتب كثيرون عن معانى الكلمة المستنبطة من استخدامها فى القرآن الكريم، أو من علاقتها بجذر الكلمة فى اللغة «كفر»، لتصبح فى النهاية اصطلاحا عاديا للغاية:

ــ الكافر هو من لا يؤمن بشىء. وبالتالى نحن، كمسلمين، كفار لأننا نؤمن بديننا ونكفر بالأديان الأخرى.

ــ الكافر هو من يعلن اختلافه أو رفضه لفكر ما.

ــ «كفر» كما وردت فى العديد من المعاجم العربية ومنها لسان العرب لابن منظور تعنى «غطى»، فتقول كفر الشىء أى غطاه، كفر الليل بظلامه أى غطى نور النهار وحجبه ومن ثم يقال ليل كافر، وكفر الفلاح الحب.

جولة واحدة بين «المطيباتية» من مفسرى كلمة «كافر» كفيلة بتحويلك من كاره لخطاب التكفير، إلى محب له.

بل وربما تشعر بتأنيب الضمير بعد هذه السنوات الطويلة من رفضها ورفض التكفيريين، وتفكر فى أن تبدأ نهارك بالطرق على باب جارك المسيحى لتبادره بتحية الصباح: نهارك سعيد يا كافر يا ابن الكفرة، ثم تبتسم له وتمضى فى طريقك بعد أن تشرح له بأن الأمر عادى.. عادى تماما.

الطريف هنا هو أن مجمل الخطاب المفسر و«الملين» لوقع كلمة كافر لا يتوجه لمن يستخدمونها فى الشيطنة والإقصاء ونشر الطائفية، وإنما هى «محاضرات توعية» موجهة فى الأساس لمن تستهدفهم رسائل الكراهية حتى لا يستاءوا من خطاب التكفير الذى يحاصرهم ليل نهار.

استنكار التكفير هو المشكلة وليس التكفير فى حد ذاته.

يصاحب الترويج لخطاب التكفير «العادى»، تعامٍ مطلق عن سياق استخدام الكلمة التى ارتبطت بأدعية الهلاك ودعاوى الكراهية والقتل المعتادة من أعلى المنابر فى صلوات الجمعة مثل الدعاء «العادى»: اللهم اهلك الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين، وتجاهل تام لأبواب «تعميم الدعاء على الكفرة والمشركين» فى الكتب والمناهج الدينية والمواقع الإسلامية «الوسطية»، أو إجاباتهم المتحذلقة عن السؤال المتواتر: ما هى مشروعية الدعاء على الكفار بالتعميم؟

كلمة كافر ليست «عادية» ومعناها لا ينفصل عن سياقها. جرب أن تنعت شخصا بأنه «كلب» أو «ابن كلب»، وعندما يمسك بخناقك، اشرح له أنك لا تقصد إهانة لأن الكلمة مجرد اسم لحيوان لطيف حلو المعشر معروف بالأمانة والوفاء والولاء.

احك له عن الكلب اليابانى الذى ظل ينتظر صاحبه كل يوم على محطة القطار بعد وفاته بسنوات.

اشرح له معنى الكلمة فى المعجم، وسياق استخدامها فى القرآن. حدثه عن كلب أهل الكهف الذى قيل إنه سيدخل الجنة.

قل له: إن نعتى لك بأنك كلب لا يختلف عن وصفك بأنك عصفور مغرد، أو أسد هصور، أو ثعلب مفكر، أو تور الله فى برسيمه. كلها حيوانات الله.

نقلا عن الشروق.

تعليقات الفيسبوك

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys