خالص العزاء فى ضحايا الحادث الإجرامى الذى وقع بالكنيسة البطرسية فى محيط الكاتدرائية المرقسية، وكل التمنيات الطيبة بسرعة شفاء كل المصابين.
فى هذا الحادث الإرهابى البغيض، سوف نسمع العديد من الشعارات العامة، والكلام المكرر، ومختلف أنواع الإدانات اللفظية، وهو أمر طبيعى ومنطقى، فى مثل هذه الاوقات الصعبة.
لكن نتمنى أن نحاول استخلاص بعض العبر والدروس علها تقلل من مثل هذه الحوادث المرعبة فى قادم الايام.
وفى حادث الامس الاليم علينا أن نتذكر بعض الملاحظات والانطباعات والأفكار والحقائق.
أولا: يصعب تماما وربما يستحيل منع هذه الحوادث من الوقوع بنسبة مائة فى المائة، ولم يوجد حتى الان جهاز أمنى واحد ــ فى الغرب أو الشرق، فى العالم المتقدم أو المتخلف، فى الديمقراطيات المتسامحة أو الديكتاتوريات المتسلطة ــ تمكن من المنع التام لشخص أو جماعة قررت الانتحار أو الضرب العشوائى.
ثانيا: ورغم ما سبق فإنه لا يبرر وجود بعض التقصيرات الأمنية. سمعت اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى البارز يتحدث فى «إم بى سى مصر» صباح أمس، ويقول إن جهاز الأمن يتحمل أكثر من طاقته وبإمكانيات قليلة، وإن كل الأجهزة الحديثة قد لا تمنع أيضا كل الحوادث.
لكن أهم ما قاله علام: إن الدولة جربت كل الحلول الأمنية مع المتطرفين والإرهابيين وفشلت فشلا كبيرا، وعندما تعاملت مع الأمر بصورة علمية كان النجاح الكبير فى عام ١٩٩٨.
وهو يقترح ستة محاور اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية ودينية وأمنية للتعامل مع الامر. الوصفة السابقة ليست مسئولية الأمن فقط بل الدولة بأكملها وبالتالى علينا ألا نغرق فى التفاصيل الصغيرة وننسى القضية الكبرى.
ثالثا: من الواضح ان الإرهاب لن يتوقف بين يوم وليلة، ليس فى مصر فقط ولكن فى كل المنطقة.
وإذا كان تنظيم داعش وتفرعاته المختلفة يتعرض الآن لضربات نوعية ضخمة فى الموصل والرقة وحلب وسرت فإن ذلك لا يعنى أن الارهاب سيتوقف، بل ربما نشهد المزيد من العمليات الفردية العشوائية ردا على هذا التراجع.
رابعا: فى الحادث الأخير لجأ الإرهابيون إلى الطريقة القديمة التى اعتمدها أمثالهم فى حقبة التسعينيات أى الضغط على الحكومة والمجتمع من «المناطق الرخوة» إلى الإقباط والسياحة.
خامسا: قد لا يدرك الذين شجعوا وخططوا ومولوا ونفذوا الحادث أنهم، قدموا أفضل خدمة لأنصار الحلول الامنية فقط، لأنه من المنطقى ان أى شخص سيفكر أو يطالب الآن وفى المستقبل القريب بالمزيد من الانفتاح والحريات ووقف الاستقطاب، سيقال له: «انظر إلى هذه الدماء وهؤلاء الضحايا»، سيقال له ايضا «الإرهابيين لا ينفع معهم إلا الضرب فى سويداء القلب».
سادسا: الاتهامات لن تطال فقط داعش، بل لا يمكن إغفال أثر التحريض المستمر الذى يقوم به أنصار تيارات إسلامية مختلفة، توجه للأقباط كل يوم العديد من الاتهامات، ومن يتابع السوشيال ميديا سيكتشف العجب من قبيل حملات تطالب المسلمين بعدم المتاجرة أو التعامل مع من تسميهم «النصارى».
علما بأن داعش لا يحتاج إلى أعذار أو أسباب لتنفيذ عملياتها. حيث إنها تكفر جانبا كبيرا من المسلمين، فما بالك بموقفها من أصحاب الأديان الأخرى!.
سابعا: ومن حق كل التيارات والأحزاب والقوى أن تختلف مع الحكومة وتنتقدها وهو أمر مشروع ومستحق فى العديد من الملفات، فعليها ألا تلتمس أى أعذار لهؤلاء الإرهابيين تحت أى مسمى من المسميات. الذين فعلوا ذلك لداعش فى المنطقة انقلب التنظيم عليهم وحاربهم بلا هوادة، وهم كانوا يعتقدون أنه يلعب لصالحهم مرحليا.
ثامنا: ثبت من كل تجارب الإرهاب الذى استخدم المسيحيين كورقة للمساومة، فشله فى تحقيق أهدافه، بل إن هذه الورقة انقلبت عليه لاحقا، لكن الخطر الأكبر أن يتم استخدام هذه الورقة فى إطار محاولة أكبر لتفجير المجتمع الذى يتعرض لتطرف وإرهاب، مصحوبا بأكبر أزمة اقتصادية تشهدها مصر منذ سنوات.
نقلا عن الشروق.