تشير هوية الأسماء التي طرحها الرئيس المنتخب دونالد ترامب لفريق الأمن القومي في الإدارة الأمريكية الجديدة إلى نيته استغلال حالة الخوف التي خلقتها الحملة الانتخابية الأخيرة على خلفية تصاعد خطاب عدائي واضح ضد الإسلام والمسلمين كمصدر رئيسي لاستمرار واكتساب شرعية متجددة للرئيس ترامب.
أجندة ترامب الانتخابية اعتمدت بالدرجة الأولى على عدة وعود براقة خادعة صعبة أو مستحيلة التنفيذ! إلا أن الوعد الأسهل تنفيذا بأقل تكلفة هو ما يتعلق بالمواجهة مع الإسلام، وليس فقط مواجهة الراديكاليين من الجماعات المتطرفة. وينعش خطاب ورسالة ترامب دماء جديدة فى نظرية «صراع الحضارات» بعد ما يقرب من ربع قرن على طرحها. وبالطبع سيسهل وقوع أي هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة من مهمة الرئيس ترامب.
***
في فبراير الماضي غرَد المرشح لمنصب مستشار الأمن القومى الجنرال مايكل فلين قائلا إن «الخوف من المسلمين منطقي»، وطالب متابعيه بنشر تغريدته. وفي أغسطس وصف فلين الإسلام بالسرطان، وظل يردد أن الإسلام هو «فكر سياسى يستتر خلف الدين». أهم مستشاري ترامب السيد ستيف بانون فقد ذكر أن «الغرب القائم على العقائد المسيحية اليهودية بدأ صراعا دمويا ضد الإسلام الفاشي الذي يهدد بفنائنا». أما المرشح لمنصب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعضو مجلس النواب مايكل بومبيو فقد تحدث أمام مركز بحثي يعتقد أن الرئيس باراك أوباما عميل سري لجماعة الإخوان المسلمين، وقال: «الصراع يمتد ليشمل ليس فقط المسلمين المنخرطين في أعمال العنف والتطرف»، وأضاف: "لا يجب أن نقول إن كل المسلمين سيئين، لكن علينا أن نوسع دائرة الاشتباه للحفاظ على أمن وسلامة الأمريكيين".
ولا يختلف ما ذُكر هنا في جوهره عما قاله ترامب نفسه في مقابلة مع أندرسون كوبر من محطة سى إن إن في مارس، عندما قال حرفيا «من الصعب التمييز والفصل بين الإسلام المتشدد وبين الإسلام ذاته. وأعتقد أن الإسلام يكرهنا». تحدث ترامب عن الإسلام في عدة مناسبات لاحقا وخرج تارة مطالبا بمنع المسلمين (1.6 مليار نسمة) من دخول أمريكا كإجراء أمني وقائي حتى يتم اتخاذ إجراءات تحمي الأمريكيين منهم على حد قوله، ثم نادي بضرورة تسجيل المسلمين القادمين لأمريكا بعد فحصهم جيدا واختبار درجة قربهم من الأفكار المتطرفة.
***
نجحت حملة ترامب لأسباب متعددة منها وعوده البراقة الجذابة. وعد ترامب بإعادة آلاف الوظائف والمصانع التي أغلقت أبوابها داخل أمريكا وانتقلت لدول تنخفض فيها تكلفة الإنتاج كالصين والهند والمكسيك وغيرهم، ويحصل فيها رجال الأعمال الأمريكيين على مغريات ضريبية متعددة. وأي دارس لمبادئ الاقتصاد يدرك استحالة تنفيذ هذا الوعد الانتخابي خاصة في دولة رأسمالية كأمريكا لا يوجه رجال أعمالها رجال السياسة، بل تحركهم مصالحهم المالية المباشرة. وارتبط بهذه النقطة وعود ترامب بإلغاء اتفاقيات التجارة الحرة التي تسمح بتسهيل التجارة بين أمريكا وبقية العالم خاصة الاتفاقية مع الدول المطلة على المحيط الهادى. وقد يستطيع ترامب إلغاء الاتفاقية، لكنه لن يستطيع السيطرة على حركة التجارة المنتعشة أساسا بين الجانبين، حيث هناك منافع متعددة للطرفين، لا يمكن حصرها.
كذلك وعد ترامب بتخفيض كبير في الضرائب ليصبح 15% فقط في وقت يتبنى فيه وعودا براقة بتجديد البنية التحتية المتهالكة للولايات المتحدة. ولا يمكن تنفيذ هذين الوعدين البراقين معا حيث إن الثاني ينفق منه على الأول.
من أهم وعود ترامب يتعلق بإقامة جدار فاصل على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعى. قد ينجح ترامب جزئيا في هذا الصدد، لكن لن يتم ترجمة ذلك إلى رغدة الحياة لملايين الأمريكيين الغاضبين، ولن ينعكس ذلك على خلق الملايين من فرص العمل. وظائف المهاجرين غير الشرعيين في الأغلب لا يقبل بها ولا يقدم عليها أغلب المواطنين الأمريكيين.
هكذا لم يبقَ من وعود ترامب الكبيرة إلا ما يتعلق بالإسلام والمسلمين. وتعكس وعود ترامب فى جانب إيمانا بما عرضة المفكر صامويل هنتنجتون (أشك فى معرفة ترامب له) في نظريته المثيرة حول صراع الحضارات. فقد أولى هنتنجتون اهتماما خاصا بالعالم الإسلامى كمجال حضارى له موقع استراتيجى في العالم، وله نقاط تماس مشتعلة مع الغرب. إلا أنه لم يفهم كيف انتشر الإسلام خارج مكان ميلاده في شبه الجزيرة العربية ليصل لداخل أوروبا ولداخل الصين من ناحية، وكيف أثر الاستعمار الأوروبي على الدول الإسلامية لاحقا، وما تركه ذلك من تأثير مباشر على نمط الاحتكاك بين الطرفين. وعقْد القرن العشرين من طبيعة هذه العلاقات، فمن ناحية كان لخلق دولة إسرائيل من قبل دول أوروبية في البداية قبل أن تتبناها أمريكا وتجعل من أمنها هدفا لها، أثره المستمر في تسميم علاقات الشعوب الإسلامية بالغرب. ومن ناحية أخرى انتقل للعيش في الغرب ملايين العرب والمسلمين، يقدر البعض أعدادهم بأكثر من أربعين مليون نسمة. وبين هذا وذاك عرف العالم ظاهرة العولمة والثورة التكنولوجية.. وبين هذا وذاك ظهرت وانتشرت أعمال عنف لجماعات إرهابية يدين أعضائها بالإسلام.
***
استدعى ترامب صراع الهوية الأمريكية، واستدعى ترامب أن أمريكا دولة مسيحية بيضاء فقط، إلا أن خطورة استدعاء ترامب تتعدى غيرها نظرا لسجل أمريكا الحافل في التدخلات العسكرية في الخارج وخاصة الشرق الأوسط، خاصة إذا ما استمر انتشار واتساع أعمال الجماعات الراديكالية التى تتخذ من الإرهاب وسيلة لها. عندما خرج علينا المفكر صامويل هنتنجتون عام 1993 بنظريته صراع الحضارات، صب الكثيرون جم غضبهم عليه. توفي الرجل عام 2008 دون أن ينتهى الجدل حول أطروحاته التي أثارت جدلاً كونياً، لأنه لمس وترا حساسا فيما يتعلق بالاختلاف والتنافر بين الكتل الحضارية الكبيرة. ويعطى ترامب اليوم قبلة إعادة الحياة لهنتنجتون وأفكاره المثيرة للجدل والمؤججة للصراع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن جريدة الشروق