الدرس الأول من مفاجأة فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو أن غالبية المراقبين والمحللين والخبراء والمتابعين والكتاب والمنظرين سواء فى داخل الولايات المتحدة أو خارجها لم يكونوا يعرفون حقيقة شعور الناخبين الأمريكيين.
هذه النتيجة تعنى بوضوح أن كل من قالوا بأن فوز هيلارى كلينتون هو أمر مسلم به كانوا غارقين فى الأوهام، وأنهم كانوا يتحدثون عن أمنياتهم أو تخيلاتهم، وليس عن الواقع. كنت أعتقد أن ظاهرة الخبراء الاستراتيجيين مقصورة علينا نحن فقط فى مصر، اكتشفنا أنه حتى فى أمريكا وغالبية بلدان العالم لديهم نفس الظاهرة. سمعنا ورأينا الكثير من الخبراء والمحللين والمعلقين المشهورين يتحدثون بأن فرص فوز ترامب شبه معدومة.الأمر المفجع أن غالبية استطلاعات الرأى أكدت أن فوز كلينتون محتم. بل إن تسعة استطلاعات من بين عشرة فى الأسبوع الأخير قالت إن هيلارى هى الفائزة وبفارق ضخم يصل إلى ستين نقطة مقابل أربعين للملياردير الأمريكى.
قبل شهور كتبت فى هذا المكان محذرا من نفس الظاهرة، وأن معظمنا فى مصر والعالم العربى ننساق وراء أحكام وتعميمات لا ندرى عن صحتها شيئا. كتبت يومها أيضا أن معظمنا يخطئ إذا اعتقد أن ترامب هو فرد أو ظاهرة خاصة، وأن علينا أن ندرس ونفكر فى البيئة التى أنتجت ترامب.
نحن ننسى أن ترامب بكل عيوبه لم يكن نبتا شيطانيا، هو تنافس وفاز على ١٧ مرشحا جمهوريا قبل أن يواجه هيلارى كلينتون فى الانتخابات الرئاسية العامة. مجموعة حفلة الشاى الأكثر يمينية داخل الحزب الجمهورى موجودة وتزداد قوة منذ سنوات ولم تظهر بين يوم وليلة. صحيح أن عددا كبيرا من قادة الحزب الجمهورى لم يكونوا سعداء بصعود ترامب، وبعضهم أعلن معارضته العلنية له بل قالوا إنهم سيصوتون ضده، وصحيح أنه كان هجوميا متغطرسا ولا يمكن التنبؤ بأفعاله خصوصا ضد النساء والمهاجرين والمسلمين، لكن لم يركز الكثير من الخبراء على أن جزءا كبيرا من الديمقراطيين كان ينظر إلى كلينتون بملل وبعضهم كان يتمنى صعود ساندرز الأكثر يسارية وراديكالية.
ترامب لم يكن فردا بل يعبر عن صعود تيار أكثر يمينية ليس فى أمريكا فقط بل فى غالبية أنحاء العالم، صعود اليمين نراه فى النمسا وألمانيا وفرنسا والدول الإسكندنافية. هذا التيار يستغل انتشار الإرهاب ورهاب الخوف من الأجانب والمهاجرين، وتباطؤ التجارة العالمية وهو ما أثر على تراجع عملية التنمية وزيادة عدد العاطلين.
نحن ننسى أن صعود التطرف والإرهاب باسم الإسلام على يد التنظيمات المختلفة، وعملياته فى أوروبا وامريكا، قد أثرا على زيادة التطرف فى الجهة المقابلة غربا، على الرغم من أن المتطرفين فى كل مكان خصوصا داعش سيكونون الاكثر سعادة بفوز ترامب، لأنه سيوفر لهم قبلة الحياة.
مرة أخرى نحن نحتاج فى مصر والعالم العربى إلى أن نقرأ وندرك ونفهم حقيقة الشعور الأمريكى، وكيف يفكر الأمريكيون، وما الذى دفعهم إلى انتخاب رجل يكاد يكون هناك اجماع دولى على أنه غير سوى؟!!
معظم قادة العالم وكبار مسئوليه لم يتمنوا فوز ترامب بل إن بعضهم جاهر علنا بتمنى خسارته، لكن فى السياسة سوف ينسى الجميع ذلك وينظرون إلى الأمام، تلك هى حقائق عالم السياسة القاسى.
لو أن البعض من النخبة فى معظم أنحاء العالم أو من يسمون أنفسهم كذلك أو الذين يعتقدون أنهم «يملكون العلم اللدنى» يريد أن يستفيد من درس فوز ترامب فهو ضرورة التحلى بالتواضع وضرورة القراءة والاطلاع قبل أن يحلل ويفتى ويقول بثقة مطلقة إن فوز كلينتون حتمى.
شخصيا أضع يدى على قلبى خوفا من مفاجآت ترامب، الأكثر خطرا على العالم، لكن فى السياسة علينا أن نتعلم البرجماتية، ونتوقف تماما عن خلط العواطف والمشاعر الحماسية والأمنيات مع المصالح، وتلك قصة أخرى تحتاج لكثير من المناقشات الجادة فى الأيام المقبلة، حتى لا نخسر من حيث نعتقد أننا سنكسب!.
المقال منشور في صحيفة الشروق بتاريخ الخميس 10 نوفمبر 2016.