أعلنت الحكومة المصرية ضبط خلية إخوانية مهمتها نشر التشاؤم بين الشعب المصرى للنيل من معنويات المواطنين والتشكيك فى التنمية التى تحدث فى مصر، وهذه أول مرة فى تاريخ مصر تنسب مثل هذه التهمة الفضفاضة إلى بعض المنتمين للإخوان أو الحركات الإسلامية.
• وبعيدا عن الخلية والقضية وأطرافها فإن آلاف الخلايا الإخوانية أو غيرها لن تستطيع أن تنشر التشاؤم فى شعب يملك كل أسباب السعادة من الحريات العامة والرخاء الاقتصادى والتوافق الاجتماعى والسياسى وغياب الرشوة والفساد والمحسوبية وجودة الخدمة فى المصالح الحكومية.
• ولا تستطيع فى الوقت نفسه عشرات البرامج الإعلامية الموجهة من الدولة إقناع شعب حزين أو بائس نتيجة أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية المتردية بالسعادة.
• لا بد أن نكون موضوعيين وعلميين، فالتشاؤم وحالة الإحباط والحزن التى يعيشها المصريون الآن ليست نتيجة هذه الخلية الإخوانية أو غيرها ولكنها نتيجة أسباب كثيرة معروفة للجميع وتعرفها الحكومة أكثر من غيرها.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو ارتفاع سعر الدولار بطريقة غير مسبوقة فى تاريخ مصر حيث كان قبل ثورة 25 يناير لا يتجاوز ستة جنيهات ونصف،والآن وصل إلى 12 جنيها مما أدى إلى آثار اقتصادية سلبية خطيرة، فزادت كل الأسعار بطريقة جنونية بدءا من الأدوية وانتهاء بكل شىء.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو ذلك الغلاء الفاحش فى كل شىء دون أن يقابل ذلك الغلاء زيادة فى الدخل أو سعة فى الرزق.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو الآثار الجانبية السلبية لضريبة القيمة المضافة والتى جعلت بعض السلع تزيد فى أسبوع واحد قرابة خمسمائة جنيه، فضلا عن زياداتها السابقة، وجعلت كروت الشحن وغيرها من السلع والخدمات تزداد بنسبة كبيرة.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو الكساد والركود وارتفاع نسب البطالة مع انسداد الأمل فى انفراجة قريبة وعاجلة، ففى كل قرية هناك عشرات الآلاف من الشباب الذى يعانى البطالة ويعد قنبلة موقوتة يمكن أن يتحول إلى إرهابى أو مدمن أو بلطجى أو جاسوس أو على الأقل طاقة سلبية.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو عدم مقدرة الدولة على ردع البلطجة وتجارة المخدرات رغم أن عمالقة البلطجة والمخدرات معروفون لأجهزة الدولة بالاسم والرسم.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو ذلك الانحدار السريع جدا لمستوى التعليم والانهيار شبه الكامل للتعليم الحكومى والاعتماد شبه الكامل على الدروس الخصوصية التى تبدأ من أولى ابتدائى وحتى البكالوريوس والليسانس، لقد أصبحت الدروس الخصوصية كابوسا مفزعا لكل الأسر المصرية وسببا فى ابتلاع ثلث ميزانية الأسر المصرية على الأقل.
• لقد زحفت الدروس الخصوصية إلى جميع الكليات الجامعية حتى العلمية منها بدء من العلوم وانتهاء بالهندسة والطب، فالمدرسون يهاتفون أولياء الأمور من نهاية الإجازة للاتفاق معهم على الدروس حتى لطلبة أولى ابتدائى، لقد وصلت الدروس الخصوصية أخيرا إلى مرحلة ما قبل المدرسة «KG ».
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو تردى الخدمات الصحية الحكومية بطريقة غير مسبوقة ومعظم الاستشاريين والأخصائيين والأساتذة لا يبذلون جهدا حقيقا إلا فى المستشفيات والمراكز الخاصة، وأن المريض الفقير الآن لا سند إلا الله.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو أن ترتيب مصر فى التعليم الابتدائى قبل الأخير على مستوى العالم، فى الوقت الذى تقع فيه دولة ناشئة مثل الإمارات فى المركز الرابع، مع أن مصر هى التى علمت كل الدول العربية منذ خمسين عاما.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو مقارنته بين المستشفى العام وخدماته عندنا ومستواها فى بعض الدول العربية المجاورة فضلا عن الأجنبية.
• الذى يدعو المصريين للتشاؤم هو تردى حالة الإدارة المحلية المصرية بشكل غير مسبوق، وأن المحافظين ورؤساء الأحياء والمدن عاجزون تماما عن حل المشكلات الحقيقة فى محافظاتهم وأحيائهم.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو انتشار الرشوة وزيادة فاتورتها فى كثير من المصالح الحكومية، ومن الطريف أنه ذهب صديق لمصلحة حكومية كان معتادا أن يدفع فيها الرشوة التى اعتاد دفعها فقالوا له: الآن الضعف بعد الثورة التى قمتم بها، وهناك مصالح حكومية كل حركة فيها بورقة بـ«بمائة جنيه» على حد تعبير الراشى والمرتشى.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو أنه ليس هناك موظف مصرى شريف استطاع أن يبنى بيتا أو يفتح لابنه مشروعا أو يشترى سيارة من راتبه الحكومى، وأن كل الذين فعلوا ذلك كان نتيجة سفرهم للخارج سواء بطريق مشروع أو شبه مشروع أو غير مشروع.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو إصرار الحكومات المتعاقبة على أن زيادة سكان مصر هو العائق الأساسى لتقدم مصر دون أن ينظروا لحظة إلى تعداد الصين التى هزمت العالم كله الآن اقتصاديا، رغم المليار ونصف المليار نسمة.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو إصرار كل الحكومات على أن الديمقراطية والحريات العامة لا تصلح لمصر مع أنها محظوظة فليس فيها سوى جنس واحد ودينين متقاربين ، بخلاف الهند التى فيها مئات الأجناس وعشرات الأديان ومئات اللغات والأعراف والمذاهب.
• الذى يدعوهم للتشاؤم أن مصر لا تستطيع حتى الآن أن تصنع سيارة وأنها تستورد كل الأجهزة الطبية وغيرها من الصين، فى حين أن تصنيع أكثرها سهل وميسور.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو انخفاض سقف الحريات العامة وبقاء عشرات الآلاف فى السجون حتى اليوم، وبعضهم ليست له تهمة حقيقية ولم يمارس عنفا أو يدعو إلى العنف.
• الذى يدعوهم للتشاؤم هو التردى الاجتماعى الذى أصاب الأسرة المصرية، فنسب الطلاق فى مصر بلغت فى العام الماضى أعلى المعدلات فى العالم، وهجر الأزواج للبيوت أصبح ظاهرة، وحالات عدم إنفاق الزوج على الأسرة نتيجة البطالة أو المرض أو المخدرات أصبحت مخيفة.
• الذى يدعوهم للتشاؤم الفوضى العارمة فى الشارع المصرى واحتلال الباعة الجائلين لكل الأرصفة وثلث الشوارع، وازدياد معدلات الخناقات فى الشوارع والتى تبدأ بسبِّ الدين والطعن فى الأعراض وتتدرج إلى الجروح والقتل أحيانا، مع فوضى «التكاتك» وكثرة ضحايا الحوادث.
• لن تستطيع مئات الخلايا أن تنشر التشاؤم بين العوام إلا إذا وجدت أسبابه، فعلينا أن نترك نظرية المؤامرة البائسة التى يؤسفنى أن الحكومة والإخوان معا يؤمنون بها، فقبل عام وفى بداية أزمة الدولار قبض على «حسن مالك» بحجة أنه السبب فى أزمة الدولار وقيل إنه يخبئ الدولارات تحت سريره، ومر أكثر من عام على سجنه والدولار فى تزايد والجنيه فى تناقص.
• وفى المقابل يصر الكثير من شباب الإخوان على أن الحكومة هى التى قتلت المستشار «هشام بركات» وحاولت قتل اللواء «محمد إبراهيم» وهى التى اصطنعت كل التفجيرات فى المديريات والأقسام، وعبثا تحاول أن تقنعه ببطلان هذه النظرية وهذا الكلام دون جدوى، فقد رضع نظرية المؤامرة منذ صغره فآمن بأن حادث المنشية تمثيلية وأن القاعدة لم تفجر 11 سبتمبر ولكن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية هى التى فجرتها.
• نظرية المؤامرة هى التى عطلت العقل العربى والإسلامى عن الانطلاق والتجديد، فهى نظرية مريحة للعقول الكسولة والجماعات والدول والأمم التى أدمنت سطحية التفكير والتى تكره المنطق العقلانى.
• المؤامرة هى الشماعة الجاهزة التى نعلق عليها أخطاءنا وسلبياتنا، والحقيقة أن هذه الشماعة قد تعبت من كثرة ما علقناه عليها.
• المؤامرة موجودة، ولكنها لا تحرك الأحداث ولا تصنع نصرا أو هزيمة، فمن أخذ بأسباب النصر والتقدم انتصر حتى لو كان غير مسلم ومن أخذ بأسباب الهزيمة والتخلف انهزم حتى لو كان مسلما.
• فسنن الله لا تحابى مؤمنا لإيمانه، ولا تظلم كافرا لكفره، فمن سار مع سنن الله فى كونه وتواءم معها عز وانتصر، ومن اصطدم بها ذل وهان، فالله لا يغير نواميسه وسننه الكونية من أجل أمة أو دولة أو جماعة مهما كان إيمانها.
• ونحن فى الحقيقة نصطدم دوما مع نواميس الكون وسنن الله فى خلقه، ويغيب عن بلادنا العدل السياسى والاجتماعى ويكثر فيها الاستبداد وأكل أموال الناس بالباطل بدءا من الميراث والمظالم فى الأسرة الصغيرة وحتى أكبر المظالم فى الحكومات والدول.
• التفاؤل سيأتى بالإيمان فى القلب، والعلم فى العقول، والعمل الجاد بالأيدى، والعدل السياسى والاجتماعى.