صباح الأربعاء الماضي انطلقت سيارة ركاب ميكروباص من محافظة مطروح متجهة إلى محافظة أسيوط ــ معظمهم من الذين يعملون في المعمار أو مهن عشوائية في مطروح والسلوم ــ عائدين إلى قراهم لقضاء العيد مع أسرهم. الركاب غالبيتهم من الشباب، ومعظمهم من مركز القوصية. يقضى الواحد منهم شهورا من أجل توفير ٢٠٠ أو ٣٠٠ جنيه يعود بها إلى أسرته لمواجهة ظروف الحياة القاسية.
السيارة يفترض أن عدد ركابها القانوني هو ١٤ راكبا، لكن كان على متنها ٢٢ شخصا، بفضل الطريقة المصرية في حشر أكبر عدد من الركاب في غياب رقابة المرور.
وعند مدينة الضبعة اصطدم الميكروباص بسيارة نقل فمات أربعة من الركاب وأصيب ثمانية بإصابات خطيرة بكسور في الرقبة أو ارتجاجات في المخ.
لماذا أكتب عن هذه الحادث التي يقع مثلها العشرات أسبوعيا وربما يوميا؟!
لأن الأربعة المتوفين من قريتي التي ولدت وعشت فيها ١٨ عاما، وتدعى التمساحية وتقع غرب الترعة الإبراهيمية وشرق الدير المحرق، لا أعرف الضحايا معرفة شخصية لكن أعرف أهاليهم.
في اليوم نفسه، كانت حادثة قطار العياط حينما انقلبت أربع عربات، وقتل خمسة أشخاص وأصيب العشرات، وفى اليوم نفسه، أيضا وقعت الحادثة الأكثر بشاعة حينما قتل ٢٢ شخصا كانوا قادمين من الفرافرة على طريق الواحات في طريقهم إلى قراهم خصوصا في الفيوم، ورأينا أشلاءهم ملتصقة بما تبقى من جسم السيارة.
طوال يوم وليلة الحادث كنت أتواصل مع بعض الأقارب الذين جاءوا إلى نقطة شرطة وادي النطرون لإنهاء الإجراءات والحصول على تصريح الدفن.
استمعت منهم إلى حكاوي تصيب الإنسان الطبيعي باليأس. الحادث وقع في الحادية عشرة صباحا تقريبا، وسيارة الإسعاف لم تصل إلا قبل الرابعة عصرا بقليل، وبالتالي كان يمكن إنقاذ بعض المصابين، لو جاءت الإسعاف في موعدها الطبيعي والسريع. أحد المصابين تم نقله إلى مستشفى الشيخ زايد في أكتوبر، لكنه توفى في وقت متأخر من الليل.
أهالي المتوفى الرابع «شربوا المر» وهم يحاولون الحصول على تصريح الدفن. أرقام المستشفى العادية لا ترد، وعندما سألوا في نقطة الشرطة القريبة منها تمت مطالبتهم بالعودة إلى نقطة شرطة بوادي النطرون لعمل محضر بالوفاة والعودة للحصول على تصريح. روتين قاتل لا يمكن فهمه، ويدعو الناس العاديين إلى كراهية كل شيء في البلد.. لأن الرسالة التي تصل إليهم أنهم بلا ظهر وبلا واسطة والحكومة وأجهزتها تعذبهم حتى في الحالات التي يحتاجون فيها إلى من يعطف عليهم ويقول لهم كلمة طيبة في هذا الوقت العصيب.
لا أريد أن أكرر كلاما قاله كثيرون من قبلي، لكن ألا تدرك الأجهزة الحكومية أن المواطن يشكِّل ويكوِّن علاقته بالحكومة، وولاءه للدولة من هذه المواقف الصغيرة والمتراكمة؟!.. مواقف مثل سيارة إسعاف تأتى في موعدها، موظف موجود في مكتبه، إجراءات روتينية تتم بسرعة خصوصا في المواقف الصعبة.
والسؤال الأهم من كل ذلك: متى يتم تطبيق القانون على الطرق حتى يتوقف نزيف الدماء الذي يحصد عشرات أرواح المصريين كل يوم؟.
لا أوافق كثيرا على أن من يموتون هم الفقراء، لأن أغنياء كثيرين يموتون على طرق الساحل الشمالي والعين السخنة والغردقة وسيناء.
القضية الأصعب أن القانون غائب تماما على هذه الطرق، وكل سائق يمشى بالصورة التي يفضلها، وكثيرون يدفعون حياتهم ثمنا لتهور وجهل وإدمان بعض السائقين، وغياب كامل لسلطة القانون على هذه الطرق. لو أن الحكومة طبقت القانون وألزمت سيارات النقل مثلا بالسير على الطرق في الأوقات المحددة وبالسرعة المحددة وفى الحارات المحددة لأنقذنا أرواحا كثيرة، لو طبقت الحكومة القانون وسحبت الرخص من المخالفين، في كل الطرق، لربما قل كثيرا حجم الدماء التي تسيل على الطرق خصوصا السريعة.
نحلم فقط بتطبيق القانون حفاظا على أرواح من نحب.. فمتى يحدث ذلك؟!. للأسف الصورة قاتمة في ظل الفوضى التي نعيشها.
عموما خالص العزاء لكل ضحايا هذه الحوادث. ونسأل الله بحق هذه الأيام المباركة أن «ينفخ في صورة» القائمين على طرق مصر وأن يتقوا الله وينفذوا القانون!!.