تحليلات وآراء

من يتابع أداء رئاسة مجلس النواب وكتلة الأغلبية فيه سيصل إلى نتيجة واحدة فقط وهى أن الرئاسة والأغلبية ترفعان شعار «نعم للشتيمة، لا للمعارضة».

فالنائب الذى يسب زملاءه وينتهك الدستور وربما يسب الدين مرحب به فى كل الجلسات دون أن يواجه مجرد لوم أو عتاب، أما النائب الذى يعارض ويتمسك بحقه فى التعبير عن مواقفه السياسية مهما كان رقى اللغة التى يتحدث بها ومهما تحصن بمواد الدستور، فالسيد رئيس المجلس الأستاذ الدكتور على عبدالعال جاهز له بسيف الإحالة إلى لجنة القيم أو التحقيق.

وقد رأينا كيف أعلن الأستاذ الدكتور على عبدالعال إحالة تكتل 25/30 إلى لجنة القيم لمجرد أن أعضاء هذا التكتل الذى يضم حوالى 30 نائبا فقط عقدوا مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه رفضهم قانون ضريبة القيمة المضافة واحتجاجهم على رفض رئيس البرلمان لطلب التصويت على هذا القانون إلكترونيا وليس برفع الأيدى.

وفى حين هاج وماج رئيس البرلمان بسبب مؤتمر صحفى محترم لنواب محترمين أعلنوا موقفا معارضا، تجاهل الرجل هذا الحوار «بالغ الرقى» بين اثنين من النواب، عندما قال النائب رئيس نادى الزمالك، للنائب عطا سليم: «أنا هعرف أوقفك عند حدك»، ليرد عليه الأخير: «لو انت راجل وابن أبوك، اعمل حاجة، ولا أنت واللى يتشدد لك ولا اللى جابك يعرف يعمل معايا حاجة».

هذا الحوار الهابط مجرد غيض من فيض الحوارات البذيئة التى تتردد على ألسنة بعض «النواب» دون أن تتصدى لها منصة رئاسة البرلمان.

ورأينا من قبل التصويت على إخراج نواب من الجلسات أو إحالتهم إلى التحقيق لمجرد محاولة التعبير عن وجهة نظر معارضة، فى حين تطلق رئاسة البرلمان العنان لمن يوزع تهم الخيانة والعمالة فى كل اتجاه مادامت الاتهامات موجهة إلى المعارضين سواء كانوا داخل البرلمان أو خارجه.

بل ورأينا رئيس البرلمان نفسه يوجه اتهامات العمالة والتآمر إلى نواب مجهولين لا يسميهم ويهدد هؤلاء بالويل والثبور وعظائم الأمور. وتمر الأيام فلا يكشف لنا من هم، ودون أن يسميهم ويهدد هؤلاء بالكشف عن «خيانتهم وعمالتهم»، وتمر الأيام وتظل الاتهامات معلقة على رأس البرلمان

والحقيقة أن ما نراه فى البرلمان هو ترجمة لفلسفة نظام الحكم الحالى بكل أذرعه النيابية والإعلامية والتنفيذية. فالسب والشتم وانتهاك حرمات المعارضين، بل وحتى الغاضبين من تدهور الأوضاع مباح تماما لا تتصدى له السلطة، أما أى حديث معارض مهما كان راقيا ومحترما ومتفقا مع الدستور والقانون يفتح على صاحبه أبواب الاستباحة والتنكيل بكل الأدوات المتاحة لدى السلطة.

فالإعلامى الذى يسب الشعب المتألم من لهيب الأسعار وتدهور الاقتصاد، لا يجد من يحاسبه، والإعلامى الذى يكشف أسرار الحياة الخاصة للمواطنين منتهكا القانون والدستور لا يجد من يحاسبه، والبرلمانى الذى يؤلف كتابا ينكر حق مصر فى قطعة من أرضها لا يجد من يحاكمه بتهمة الخيانة العظمى، أما المعارض الذى يرفض التخلى عن الأرض فأبواب الحبس الاحتياطى مفتوحة أمامه على مصراعيها، والمصرى الذى يدعو إلى البحث عن مسار جديد للخروج بالبلاد من أزماتها يصبح متهما بالخيانة والعمالة، والإعلامى الذى يرفض «التطبيل مع المطبلين» يصبح خارج الكادر فلا يجد شاشة يظهر عليها، وحتى الإعلامى الموالى للنظام إذا ما خرج على النص، يجلس فى البيت حتى «يتعلم الأدب» ويعود إلى الصراط الحكومى المستقيم.

المقال منشور على بوابة الشروق الخميس 1 سبتمبر 2016.

 

تعليقات الفيسبوك

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys