أسعدني كثيرا صوت "إلهام" وهي تحدثني اليوم بفرحة وحماس عن تعاونية "العونة" التي بدأت منذ عام بجهود تطوعية وأصبحت اليوم مشروعا اقتصاديا تعاونيا تديره نساء قرية العونة.
عندما زرت هذه القرية في مارس الماضي والتقيت بعدد من النساء في جمعية "بادر" بقرية العونة بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط ، كان مشروع التعاونية في نصف الطريق، وتمنيت أن تنجح تجربة هؤلاء النساء، وتقدم نموذجا ملهما يحفز أخريات على العمل وتنظيم أنفسهن في تعاونيات "نسائية"، واليوم علمت أن ثمة خطة جديدة للتوسع والتطوير وضم نساء أخريات للعمل في التعاونية.
كانت البداية في جمعية "بادر لتنمية الصعيد" بالعونة، وهي التي تنظم تدريبات تتعلق بمهارات حرفية "خياطة، صناعة حلويات ومنظفات، كوافير" وأيضا تدريبات على إدارة المشروعات، وهناك تحمست الكثيرات للعمل وقمن بفتح مشروعات لهن وإدارتها، ما أدى إلى زيادة اهتمام هؤلاء النساء بمشاكل القرية وحضور ندوات التوعية الصحية وأضرار الختان والزواج المبكر.
وفي أغسطس 2015 بمبادرة من عدد من المتطوعات ومعهن المديرة التنفيذية للجمعية "إلهام أحمد" قررن أن يقمن بجمع محصول الرمان الذي يتخلص منه المزارعون لأنه "فرز ثاني" ويقمن بتأسيس معصرة تعمل بها النساء، خاصة وأن أعدادا من نساء القرية كن يرغبن في الحصول على فرص عمل وإدارة مشروعات على غرار ما حدث مع النساء الأخريات.
وفي هذا التوقيت كان لمنظمة العمل الدولية مشروع في هذه القرى وغيرها يتعلق بالتمكين الاقتصادي للنساء، والتقى الطرفان وتطورت الفكرة لتأسيس تعاونية تعمل في "دبس الرمان" وقدمت منظمة العمل الدعم الفني لمئتي سيدة خصوصا ما يتعلق بالتدريب المهني وإدارة المشروعات وتوفير أدوات الإنتاج.
الدبس هو شراب مركّز داكن اللون مائل إلى اللون الأحمر وهو حلو المذاق. وهناك عدة أنواع للدبس منها دبس الرمان الذي يستعمل غالبا كإضافة في الطبخ.
وتم تأسيس التعاونية الإنتاجية لـ"دبس الرمان" كأول تعاونية نسائية في العونة بمركز ساحل سليم مشهرة برقم 781 لسنة 2015، وافتتحت رسميا في سبتمبر 2015 وأسهمت هذه الجمعية في جذب 20 امرأة ساهمت كل منهن بألف جنيه، وأصبح منهن 5 في مجلس إدارة التعاونية من إجمالي 7 في مجلس الإدارة.
تشارك النساء في جميع مراحل التصنيع وتوزيع المنتج بداية من تجميع المحصول وفرزه وعملية التنظيف والعصر من خلال عصارات تمتلكها التعاونية والتعبئة والتوزيع على المطاعم والفنادق في القاهرة ويستخدم في إضافته على بعض الأطعمة والمقبلات.
بعد مرور عام على المشروع وتحقيقه أرباحا يتم إجراء دراسة جدوى الآن لتطويره وتوسيع أنشطته الاقتصادية لتشمل "تفصيص الرمان" وتعبئته وتجفيف قشر الرمان وطحنه واستخدامه في أقنعة لتنظيف الوجه والجلد، وسوف يبدأ تنفيذ هذه الأنشطة الجديدة مع موسم جمع الرمان في أكتوبر القادم، بما يعني توفير فرص عمل لنساء أخريات من نساء قرية العونة.
هذه التعاونية لم تسهم في تحقيق التمكين الاقتصادي للنساء وتطوير مهاراتهن في الإنتاج والتسويق فحسب بل أيضا تم استخراج بطاقات شخصية للنساء اللائي يحتجن لذلك، ومن خلال المقابلات الجماعية للنساء أثناء العمل وبعده خلقت لهن مساحات للحوار وطرح المشاكل سواء فيما يتعلق بأوضاعهن الأسرية أو مشاكل القرية، وأصبحن أكثر اهتماما بحضور الندوات والتدريبات المهنية وازدادت لديهن الرغبة في تعلم الجديد فذكرت لي "إلهام" أن لديهن عشرات النساء اللاتي يرغبن في حضور التدريبات المهنية المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية الجديدة للتعاونية وأنهن يحرصن على تلبية رغبات الجميع خاصة بعد أن أصبح لدى التعاونية مواردها المالية.
تذكرت "أسماء" التي التقيت بها أثناء زيارتي للقرية في أبريل الماضي وقالت لي "كنت قاعدة في البيت وبقول إني ما بشتغلش ومليش دور لما حضرت الندوات التثقيفية والحرفية وكان بيحاضرنا الدكتور حسام من منظمة العمل، عرفت ان شغلي في البيت بيوفر دخل للأسرة وده خلاني عاوزة أساعد أسرتي أكتر وانضميت للتعاونية وبقى معايا قرشي بشتري طيور وأربي واحوش لو يوم مفيش فلوس أصرف منهم".
هذا النموذج الملهم الذي قدمته نساء قرية العونة يمكن أن يتكرر في قرى أخرى، فالاقتصاد التعاوني التشاركي هو الأنسب للعمالة غير المنتظمة التي تعتمد على موارد مالية محدودة وخاصة النساء لأن العمل الجماعي يساعدهن أكثر على الانخراط في العمل ويجعل بينهن تكامل في الأدوار ويعزز من فرص مساهمتهن في الحياة الاقتصادية ويكسبهن مهارات في الإدارة والقيادة.
يحتاج الأمر أيضا إلى تفعيل دور الدولة في دعم هذا الاقتصاد التعاوني وتحرير التعاونيات كمكون مهم للاقتصاد التضامني وإجراء تعديلات تشريعية من أجل إصدار قانون تعاوني ديمقراطي وفقا لما نصت عليه المادة 37 من الدستور المصري لعام 2014، والتي أكدت أن الملكية التعاونية مصونة، وترعى الدولة التعاونيات، ويكفل القانون حمايتها، ودعمها، ويضمن استقلالها وعدم جواز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي.
منى عزت
مسؤول برنامج النساء والعمل بمؤسسة المرأة الجديدة