قد لا توجد أبدا وصفة جاهزة، تحقق توقعات مجلة «الإيكومنست» البريطانية باندلاع انتفاضة ثالثة ضد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، بسبب ما أرجعته المجلة فى تقرير نشرته الخميس الماضى، إلى اشتداد غضب الشباب من إغلاق أبواب مستقبل أفضل فى وجوههم، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وعجز الحكومة عن كبح جماحها.
ومع ذلك فهناك أسباب موضوعية ترجح حدوث موجات من الاحتجاجات الجماهيرية، إذا استمر إحساس الناس بفقدان القدرة على إجراء تغييرات سلمية عبر مؤسسات ديمقراطية، حيث لن تجد أمامها سوى طريق العنف والفوضى.
طبقا لتقرير المجلة هناك مؤشرات سلبية خطيرة فى مصر، منها القمع السياسى، وعدم الكفاءة الاقتصادية، وميراث الاشتراكية الذى يعود لعهد عبدالناصر، وارتفاع زيادة السكان بمعدلات كبيرة، وزيادة البطالة إلى 40 %، والتضخم إلى 14 %، فى حين يتكدس موظفو الحكومة فى مكاتبهم بدون أن يفعلوا شيئا، ويعجز القطاع الخاص عن استيعاب جحافل الداخلين لسوق العمل سنويا، مع تراجع أسعار النفط فى الأسواق العالمية، وانهيار القطاع السياحى، وانخفاض المعونات الخليجية، وإقدام الحكومة على بناء مشروعات ضخمة تمتص السيولة من الأسواق، دون أن يكون لها عائد اقتصادى سريع ينعكس على رفع مستويات المعيشة.
أما الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فقد أصدر تقريرا منتصف يوليو الماضى، كشف فيه ارتفاع معدلات الفقر خلال العامين الماضيين، حيث بلغت نسبة الفقراء فى مصر 27.8% بعد أن كانت 26.3% منذ عامين، وسط توقعات بزيادة هذه النسبة مع الإجراءات الحكومية الجديدة برفع أسعار كل السلع والخدمات، وتخفيض الدعم، والذى صاحبه انخفاض سعر صرف الجنيه بأكثر من 40% من قيمته.
كل هذه المؤشرات الاقتصادية السلبية، تعكس بوضوح فشل الحكومة فى مصر فى تنفيذ وعودها بإصلاح الأوضاع خلال عامين، فى وقت يتزايد فيه شعور المصريين بأن المستقبل يحمل أوضاعا أكثر صعوبة، وأن الوعود برفع مستوى المعيشة ليس أكثر من سراب، وأن هناك نقطة ما سوف تنفجر فيها براكين الإحباط والغضب التى تتراكم فى الصدور، دون أن يعرف أحد شكل أو مسار هذا الانفجار!
حكومات الرئيس عبدالفتاح السيسى اختارت أن تكمل الطريق الاقتصادى الذى بدأته حكومات الرئيس حسنى مبارك والذى يعتمد على السوق المفتوح وتقليص دور الدولة فى عمليات الضمان الاجتماعى، بمعدلات أسرع، أو بالأحرى باندفاع يبدو أنه غير محسوب، وبدون أن يراعى التكلفة الباهظة التى ستدفعها نتيجة تقلص شعبيتها وتآكل شرعيتها، المفترض انها استمدتها من شعارات ثورة يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية!
ومع غياب برنامج سياسى محدد للحكومة يعتمد على اقناع المصريين بقبول تضحيات كبرى لتحقيق أهدافها فى تحسين اوضاعنا الاقتصادية المتردية، تبدو أحزاب المعارضة كبيوت أشباح، ليس لها أى صدى فى الشارع، لا تقدم سياسات بديلة لما يحدث، وتقف دائما فى خانة رد الفعل، وهى تفقد يوما بعد يوم من رصيدها الجماهيرى.
لا توجد فى مصر آليات واضحة بمنهجية محددة تقدم حلولا بديلة للسياسات القائمة، لا صوت يعلو فوق صوت السلطة، وتحت حجة وجود قوى خفية تنظم مؤامرات شبه يومية ضدنا، يجب أن نصطف جميعا خلف النظام لمواجهتها، ليصبح أى صوت معارض واقعا تحت اتهامات جاهزة بالعمالة والخيانة والتآمر على الوطن!
فى مثل هذا المناخ، يصبح توقع انتفاضة منظمة كما ذكرت مجلة الإيكونوميست ضربا من الخيال، ومع ذلك يبقى الباب مفتوحا على مصراعيه أمام موجات من العنف، كتعبير عن الضيق والغضب، قد يمكن إخمادها بعصا الأمن أو بسيارات السلع الغذائية المدعمة فى الشوارع، ولكنهما سيكونان مجرد حلول مؤقتة، بانتظار فوضى عارمة، أو بناء نظام ديمقراطى حقيقى..أيهما أقرب!