تحليلات وآراء

كشفت أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة، التى بدأت الأسبوع الماضي، أن اصطلاح «أهل الشر»، الذي تردده مؤسسة الرئاسة دائما، لتوصيف المعارضين سياسيا للنظام، لم يعد مقتصرا على جماعات وقوى بعينها، وإنما بدأ يتسع ليشمل مقربين وداعمين للحكومة، استغلوا هذه الأزمة – سواء عن قصد أو من دون قصد ــ لتحريض الشعب ضد مؤسسات الدولة.

الدليل على ذلك ما حدث يوم الأحد الماضى.. ففى هذا اليوم انطلقت امتحانات الثانوية العامة، وفوجئ المواطنون بصفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعى، تقوم بتسريب ورقة الأسئلة ونماذج الإجابة أثناء أداء الطلاب للامتحان، وهو ما أصاب الجميع، خصوصا أولياء الأمور بالغضب الشديد، الذى تحول على الفور إلى ما يشبه «الثورة داخل البيوت»، لاسيما عندما سمعوا اقتراحا لأحد النواب فى البرلمان الموقر، يطالب فيه بـ«إلغاء امتحانات العام الحالى، مثلما حدث فى العام 67».

النائب الذى كان أول من طرح هذا «الاقتراح المفخخ» المتمثل فى إلغاء امتحانات الثانوية، هو من «فلول» الحزب الوطنى، ومن بين المسئولين المهمين فى نظام مبارك، وكان قد اختفى عن الأنظار بعد ثورة 25 يناير، لكنه عاد مرة أخرى إلى دائرة الضوء بعد 30 يونيو، مثله مثل غيره من الوجوه «الفلولية» التى تتصدر المشهد حاليا، سواء فى البرلمان أو فى وسائل الإعلام أو فى المجال الاقتصادى.

لم يكن هذا النائب وحده الذى روج لمثل هذه الأفكار التى تشعل الحرائق فى المجتمع وتثير غضب الناس، وإنما انضمت إليه كتائب يمكن أن نطلق عليها «إعلاميى الفلول»، الذين يظهرون مساء على الشاشات، أو يكتبون صباحا فى الجرائد اليومية القومية والمستقلة، حيث تباروا جميعا فى الدعوة إلى إلغاء الامتحانات وإعادة إجرائها مرة أخرى.

كلام هذا النائب، ودعوات وكتابات هؤلاء الإعلاميين والصحفيين، لا يمكن أن نضعها إلا فى إطار التحريض وتهييج الشعب ضد الحكومة، لأنها تسببت فى زيادة احتقان وغضب أكثر من نصف مليون أسرة لديها أبناء فى الثانوية العامة، تتمنى أن يأتى اليوم الذى يعبر فيه أبناؤهم، هذه المرحلة المصيرية من حياتهم الدراسية، بعد عام كامل من المعاناة، سواء من ناحية المصاريف التى تم دفعها لمراكز الدروس الخصوصية، أو عن طريق المتابعة المستمرة لاحوالهم الدراسية.

نعم كان هناك تسريب لأسئلة امتحانات الثانوية، تم أثناء وجود الطلاب فى قاعات الاختبار، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، لكن الحل ليس فى إلغائها والبدء من الصفر، لان هذا الأمر يعنى بصراحة، أن الدولة ستظهر بموقف العاجز والضعيف، الذى يسمح للبعض بلى ذراعها وإجبارها على إعادة الامتحانات، وسيرفع من منسوب الغضب لدى قطاع واسع من الشعب، يجد أن أولاده يتعرضون للذبح من دون أن يكون لهم ذنب فيما حدث.

هذا لا يعنى أن تمر هذه المسألة مرور الكرام، بل يجب أن تتم معاقبة المقصرين والمخطئين والمتواطئين، وتطهير وزارة التربية والتعليم من العناصر التى اخترقتها خلال السنوات الماضية، ولعبت دورا أو سهلت بشكل مباشر أو غير مباشر عملية التسريب، كذلك يجب تطبيق قواعد جديدة فى تصحيح إجابات الطلاب، ومن يثبت قيامه بالغش يوقع عليه أشد العقاب، ويحرم من الالتحاق بالجامعات لسنوات عدة، حتى يكون عبرة للاخرين.

أيضا على صانع القرار، إدراك أن التحريض على مؤسسات الدولة، لا يتم فقط من خلال جماعات وأحزاب وقوى سياسية تعارض النظام، لكن التحريض الحقيقى – خصوصا فى هذه الأزمة ــ وغيرها من الأزمات الأخيرة مثل ارتفاع اسعار السلع الغذائية والاحتكار والمضاربة فى العملة الاجنبية، يأتى من أطراف قريبة جدا من الحكومة، وبالتالى يجب توسيع مصطلح «أهل الشر» ليضم فعلا كل من يحرض الشعب ضد مؤسسات الدولة ــ قولا وفعلا، وليس فقط المعارضين للنظام.

* المقال منشور بصحيفة الشروق في عدد اليوم الجمعة 10 يونيو 2016

 

تعليقات الفيسبوك

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys