إن العمل على تقوية المسار الديمقراطى وتوسعة المجال السياسى من شأنه أن يطور المجتمع وأن يحفظ مؤسسات الدولة المصرية، كما من شأنه أن يعزز حقوق المواطنة وأن يكون عنصر دعم قوى لموقع مصر الإقليمى والدولى فى ظل عدد من التحديات التى تواجه الوطن. إن العمل السياسى السلمى هو ضرورة لتحقيق مطالب الشعب الأساسية وتوفير الحماية الآمنة فى هذه الفترة الدقيقة من تاريخ مصر.
إن الالتزامات التى تشملها وثيقة (تقوية المجال السياسى الديمقراطى فى المراحل الانتقالية) هى نتاج مشاركة عدد من الشخصيات السياسية المصرية الممثلة لروافد المجتمع الفكرية المتنوعة. تهدف الوثيقة إلى إرساء ثوابت ديمقراطية مشتركة وقواعد تحكم التنافس والاختلاف السياسى؛ وهذه المبادرة ليست – بأى شكل من الأشكال – تحالفا أو تكتلا سياسيا. من أهم بنود المبادرة:
أولا: أخلاقيات العمل والخطاب السياسى:
والتى يجب الالتزام بها عند خطابنا للجمهور فى التجمعات السياسية أو من خلال الإعلام «سواء فضائيات أو انترنت» وتتضمن:
أ – الامتناع عن التهديد أو التحريض على العنف بأى شكل من الأشكال ضد أى شخص أو مجموعة أشخاص.
ب ــ الامتناع عن التشويه والتحريض واتهامات التخوين والعمالة والتكفير والكراهية.
ج – الامتناع عن تغذية النعرات العنصرية والطائفية التى قد تمس النسيج الوطنى.
د – عدم تناول الحياة الخاصة والتوقف عن الادعاءات غير الحقيقية أو الحقائق التى تم تشويهها.
ثانيا: مبادئ أساسية تحكم العمل السياسى:
أ – الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية وإصلاحها وتحييدها عن المنافسة السياسية وألا تكون مجالا للتدخل الحزبى، مع وضع خطوط فاصلة بين مؤسسات الدولة التى هى مستمرة وملك للجميع وبين النظام السياسى الذى هو متغير.
ب – ضرورة مكافحة الإرهاب مع ضمان الحريات والمحافظة على الأطر القانونية والدستورية؛ وهذا يعنى ادانة ورفض كل أشكال العنف والإرهاب، مع التأكيد على أن مكافحة الإرهاب لا ينبغى أن تستخدم كذريعة لتقييد المجال السياسى وانتهاك حقوق الانسان، بما فى ذلك حرية التعبير وحق الاحتجاج السلمى والحق فى المحاكمة العادلة.
ج – رفض اقصاء أو عزل أى تيار سياسى أو فكرى طالما التزم باحترام الدستور والقانون، والعمل السلمى والعلنى والفصل بين الدعوة الدينية والعمل الحزبى وعدم التمييز بين المواطنين وعدم التورط فى الفساد والإفساد السياسى أو الاقتصادى.
د – عدم استخدام دور العبادة لأغراض سياسية أو حزبية.
هـ ــ ضرورة إنشاء منظومة عدالة انتقالية مستقلة وفاعلة.***كان هذا جزءا من الوثيقة التى شارك الباحث المتميز والإعلامى «هشام جعفر» فى صياغتها فى نهاية أبريل 2015. اليوم يكمل هشام جعفر 200 يوم اعتقال بسجن «العقرب» المعروف بـ«المقبرة» نظرا لصعوبة الأوضاع بداخله. لا يدرى أحد ما هى جريمة هشام التى اعتقل بسببها، لا أحد يصدق الاتهامات المرسلة والمحفوظة (الانضمام لتنظيم محظور – تكدير الصفو العام – التآمر لإسقاط الدولة – التحريض وبث أخبار كاذبة.. الخ) لأن كل هذه التهم لا يمكن أن يتطابق أى منها على شخص «هشام جعفر» الباحث المرموق الذى يحظى باحترام دولى وتقدير واسع فى مصر فى المجال العام؛ نظرا لإسهاماته البارزة سواء فى كتبه المنشورة أو أوراقه البحثية ومقالاته التى تعبر عن فكر معتدل وراقٍ يفيض بالوطنية والتقدمية، ويحث على الاعتدال وتعزيز قيم السلام والإنسانية ويرسى مبادئ المواطنة.
هشام جعفر تتدهور حالته الصحية يوما بعد يوم مثله مثل كثير من المعتقلين الذين لا يجدون ظروفا آدمية فى أماكن احتجازهم، بالإضافة للعنت والمشقة الرهيبة التى يتكبدها أهلهم لزيارتهم أو الاطمئنان عليهم وتزويدهم بأسباب الحياة.
يقول البعض إن هذه الوثيقة كانت السبب فى اعتقال هشام جعفر، وبالنظر لما جاء فيها من بنود فإن الأولى هو تكريم من صاغها ونشر كل ما فيها على نطاق واسع لإثراء البيئة السياسية فى مصر بهذه القيم والمبادئ النبيلة، وليس عقابه والتنكيل به بلا جرم ارتكبه سوى محاولته لضخ المياه فى تربة الإصلاح اليابسة فى مصر خلال السنوات الماضية.***هشام جعفر هو شيخ الإصلاحيين فى العمل العام فى مصر، إذا راجعت كل إنتاجه الفكرى ستصل لهذه النتيجة، فهو محارب صلب ضد التطرف والإرهاب، كما أنه يرفض الكراهية والتمييز بين البشر على أى أساس ويعزز دوما فلسفة المواطنة التى يؤكد أنها صمام أمان المجتمع، لذا فاتهام هشام جعفر بالإرهاب يشبه اتهام غاندى بممارسة العنف والحض على الكراهية!
من دخل الأزهر الشريف وخط بيديه وثيقة الأزهر التاريخية وساهم فى صياغة وثائق أخرى مهمة كلها تهدف لصالح المجتمع ومساعدة الناس كيف يكون إرهابيا؟ من عاش طيلة حياته يحارب الأفكار المتطرفة ويفند دعواها ويفحم من يتبنونها ويبين لهم غيهم وضلالهم كيف نتهمه بالتطرف والإرهاب؟ من تفيض سطور كتاباته بعشق الوطن والخوف عليه كيف نتهمه بالتآمر على الوطن ومحاولة إسقاطه؟ وهل تسقط الأوطان بما تخطه الأقلام؟
هشام جعفر قصة إصلاحى عاش فى مصر ورفض دعوات هدم الدولة وتفكيك مؤسساتها ونادى بالإصلاح المتدرج كمسار آمن ووحيد يخرج الوطن من ورطته، ما الذى تريده الدولة من أمثال هذا الرجل؟ هل يكفرون بالاعتدال وينتهجون التطرف؟ هل يبغضون المجتمع ويسعون للثأر منه؟ السجون لم تخرس صوت هشام جعفر ولن تغير الاصلاحيين وتحولهم إلى متطرفين، أمثال هؤلاء يبنون الأوطان لا يهدمونها، الوطن هو الخاسر من ظلم هؤلاء والتنكيل بهم، فلتشرق شمس الحرية ليتجدد الأمل فى المستقبل.