وسط مناخ عام من الإحباط وأخبار معظمها سلبي، لاحت صباح الخميس الماضي بشائر خير انطلقت من مدينة الفرافرة بالوادي الجديد. في الخامسة صباحا، تجمعنا في مطار شرق القاهرة وانطلقت الطائرة السي 130 إلى مطار المنيا في رحلة استغرقت نحو 40 دقيقة، ومنها بطائرة شينوك إلى الفرافرة. بالأحرى كانت هناك طائرتان الأولى ضمت عشرات الإعلاميين من رؤساء تحرير ومقدمى برامج تليفزيونية، والثانية ضمت أعضاء فى مجلس النواب وبعض الشخصيات العامة. صوت الطائرة شديد الإزعاج، وكان الله فى عون من يستخدمها يوميا، ورغم ذلك وعندما اقتربت الطائرة من الهبوط نسى الجميع تقريبا هذا الصوت المزعج، ونحن نرى اللون الأصفر الذهبى المفرح، أو حقول القمح الواسعة. قبل نحو ثمانية شهور أتيت إلى هذا المكان وبنفس الطائرة، يومها كان اللون الأصفر الكالح والباهت هو المسيطر، أى لون الصحراء المترامية والممتدة، كانت هناك بذور تحت الأرض، وبراعم لم تظهر بعد، ومساحات من النخيل الأخضر التى أضفت على المكان يومها أملا فى غد أفضل. يوم أمس الأول، رأينا القمح فعلا بسنابله، رأيت أيضا العديد من المحاصيل، التى تنتظر الحصاد. طبقا لعصام فايد وزير الزراعة، فإن هناك عشرة آلاف فدان تمت زراعتها بالفعل، فى إطار ٢٨٠ ألف فدان مستهدفة فى الفرافرة ضمن مشروع الـ١.٥ مليون فدان، وسيتم إنجاز ٧٠ ألف فدان فى المرحلة الأولى تعتمد فى ريها بنسبة ٨٨.٥٪ على مياه جوفية، و١١.٥٪ مياه سطحية ومدورة. وعلى عهدة اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، فقد تم إعداد البنية الأساسية لـ٢١ ألف فدان أخرى. وتحدث الوزير بإسهاب عن مكونات المشروع والقرى والبيوت الريفية والعمارات السكنية والمدارس والوحدات الصحية والمساجد والكنائس والصرف الصحى والأندية والطرق والمياه فى الفرافرة. الرئيس السيسى عندما تحدث عن هذا المشروع، قال إنه ينقل مصر نقلة مختلفة ويعيد توزيع سكان مصر على مساحة أكبر وأنه ليس المشروع القومى الوحيد بل يأتى فى إطار العديد من المشروعات القومية الكبرى مثل شبكة الطرق القومية بطول خمسة آلاف كيلو، ومشروع تنمية سيناء التى تم إنفاق نحو ٣٠ مليار جنيه عليها حتى الآن، وشبكة الإنفاق والمزارع السمكية، ثم ازدواج القناة ومحور تنمية قناة السويس والإسكان الاجتماعى، ومشروع محطات معالجة المياه، والمشروع القومى للكهرباء الذى تكلف ٤٠٠ مليار جنيه، ثم إنشاء ٦ مدن جديدة. إجمالى هذه المشروعات القومية السبعة كما قال الرئيس يبلغ نحو ١.٤ تريليون جنيه، تم توفير نحو ٣٠٠ مليار منها بفضل ما وصفه الرئيس بأنه تدقيق فى كل قرش، وضمان أن كل جنيه تم إنفاقه فى موضعه. الأرقام والبيانات التى ذكرها الرئيس فى كلمته صباح الخميس، أعطت أملا حقيقيا فى إمكانية أن تتجاوز مصر أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والخانقة، وتهرب بسرعة من الوادى المختنق إلى ربوع الصحراء الفسيحة. لا أمل حقيقى فى حل مشاكلنا دون الخروج من الوادى الضيق، وبالتالى ينبغى أن نشجع أى خطوة عملية تقود إلى تطبيق ذلك على أرض الواقع. مشهد سنابل القمح، والبيوت الملونة الجميلة ذات الدور أو الدورية بمساحة ٢٠٠ متر، تبعث على التفاؤل ويبقى التساؤل المهم وهو متى يمكن فعلا أن نرى مستوطنات بشرية حقيقية فى هذا المكان وغيره من المناطق المخصصة لاستصلاح ١.٥ مليون فدان؟! ومن هى الفئات التى سيتاح لها التملك فى هذا المشروع، وهل يكونون من الجامعيين حديثى التخرج، أم من يملكون مالا كثيرا، والأهم من كل ذلك كيف يمكن إقناع من سيقومون بالاستثمار والزراعة بالإقامة هناك بصفة دائمة لإقامة مجتمعات عمرانية تنموية مستقرة؟! ومتى يمكن أن نرى مواطنين كثيرين يقولون «أنا فرافراوى»؟.
ما رأيته يوم الخميس في الفرافرة حلم جميل بدأ يتحقق، ونتمنى أن يكتمل للنهاية، تحية شكر وتقدير لكل شخص ساهم في إنجاز هذا المشروع من أصغر عامل وجندي إلى كل الشركات الوطنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة بقيادة اللواء كامل الوزير ووزارتي الري والزراعة ونهاية بالرئيس عبدالفتاح السيسي.