فى هجمتها الشرسة ضد منظمات المجتمع المدني، تقتدى الحكومة المصرية بممارسات وإجراءات سبقت إلى تطبيقها حكومات سلطوية أخرى.
من الصين وروسيا وكازاخستان إلى المجر وروسيا البيضاء وفنزويلا، تحاصر المنظمات الحقوقية والمنظمات العاملة فى مجال الدفاع عن الحريات الشخصية والحريات العامة وقضايا الانتخابات والشفافية وإصلاح الأجهزة العامة تارة بالتضييق على منحها التراخيص الرسمية اللازمة لتأسيسها وفقا للقانون، وتارة ثانية بإخضاعها للمراقبة الأمنية الدائمة، وتارة ثالثة بفرض القيود التعسفية على أنشطتها ومصادر تمويلها العلنية وتواصلها مع المواطن، وتارة رابعة بتصنيف أعضائها كـ«متهمين محتملين» أو «متهمين تحت الطلب» ومواجهتهم بإجراءات تقاضى منهكة أو بحملات منظمة للاغتيال المعنوى. واليوم، تسير الحكومة المصرية على نفس الدرب الذى يهدف إلى القضاء على منظمات المجتمع المدنى المستقلة، والإبقاء فقط على كيانات تابعة لها تمتنع عن انتقاد الممارسات والإجراءات الرسمية التعسفية وتتجاهل مسئولية توثيق المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات والتضامن مع الضحايا والإصرار على محاسبة المتورطين.
بعد أن وظفت الحكومة المصرية سطوة أجهزتها الأمنية للسيطرة على وسائل الإعلام، ولتشكيل مجلس نواب ،ولتهجير غير الممتثلين من المواطنات والمواطنين من الفضاء العام تهديدا وتعقبا وقمعا؛ بعد كل ذلك ولكى لا يعلو فى مصر غير صوت «الحاكم والحكومة» حل الدور على منظمات المجتمع المدنى المستقلة التى يراد فرض الحصار عليها وصولا إلى إلغاء وجودها.
كغيرها من الحكومات السلطوية، تنظر الحكومة المصرية إلى المجتمع المدنى كمصدر «خطر» على الصوت الواحد الذى تفرضه على الناس وتريد أن يمتنعوا عن تصديق ما عداه. تنظر إليه كمصدر «تهديد» للرواية الرسمية التى إما تنكر حدوث المظالم والانتهاكات أو تبررها كدفاع عن «الأمن القومى للبلاد». تنظر إليه كمصدر «منازعة» للحاكم على «ولاء المواطن» الذى ضاق ذرعا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة والظروف المعيشية الصعبة والفساد المستشرى وقد يبدأ فى الإنصات إلى المنظمات الحقوقية المستقلة وهى تطالب بمحاسبة المسئولين. تنظر إليه كمصدر «ترويج» لثقافة سياسية تبحث عن بدائل للحكم السلطوى وتربط بين التخلص منه وبين إنجاز التنمية والتقدم وتصر على صون الحقوق والحريات عبر إصلاح مؤسسات وأجهزة الدولة. تنظر إليه كمصدر «لإخبار» الفضاء العام فى مصر وفى العالم بشأن حقيقة الأوضاع المصرية بعيدا عن الإنكار الرسمى وعن تواطؤ الإعلام المسيطر عليه أمنيا.
ليس بمستغرب، إذا، أن تستمر الهجمة على المنظمات الحقوقية والمنظمات المدافعة عن الحريات أو أن يتواصل إنهاك وتهديد العاملين بها لكى تتمكن الحكومة المصرية من النفاذ إلى مساحات إضافية لإلغاء المواطن وإخضاع المجتمع واحتكار الدولة. ليس القمع بمستغرب، ولذا تصبح الأولوية للتضامن مع من وثقوا المظالم والانتهاكات بحق آخرين ودافعوا عنهم ويحتاجون اليوم لتضامننا ودفاعنا عن حقهم هم فى الوجود باستقلالية. الأولوية هى للتضامن مع المجتمع المدنى فى مصر.
المقال منشور في صحيفة الشروق اليوم الأربعاء الموافق 23 مارس 2016