كلما مررت في أي شارع شعبي أرى نسبا متزايدة من المشاجرات على توافه الأمور، وأسمع كمّا لا نهائيا من الشتائم والبذاءات التي تهتك عرض الأمهات والآباء في البيوت مصحوبة بـ«وصلات ردح متتالية» تتبعها سلسلة مقيتة من «سباب للدين».
فأتعجب لأحوال الناس الذين لا تخلو مشاجراتهم دوما من «سباب للدين» مع قاموس غير مسبوق للبذاءة، فأدرك أن خللا ما أصاب المجتمع المصري، فأحال تدينه وحياءه إلى تدني أخلاقي خطير.
فإذا نظرت إلى حال الأسر المصرية الآن وجدت قدرا هائلا وغير مسبوق من حالات التفسخ الاجتماعي، تراها ظاهرة في حالة الطلاق الرسمي، ومستترة في حالات الانفصال في البيت الواحد بين الزوجين، وحالات الكراهية التي شاعت بين الزوجين تارة وبين الأشقاء أخرى أو الخلافات بين الآباء والأبناء، أو بين الأقارب والجيران، وقد غذى ذلك في السنوات الماضية حالات الصراع السياسي الحاد فضلا عن الضعف الاقتصادي والهزال الأخلاقي والديني.
فإذا خرجت من الشارع وتأملت البرلمان وجدت نائبا ــ يفترض أنه يمثل المجتمع وينوب عنه ــ قد زور شهادة الدكتوراه فى سابقة فريدة فى برلمان كان فيه أطهار وعلماء وثقات مثل إبراهيم شكرى، د.حلمى مراد، صلاح أبوإسماعيل،... وغيرهم ممن يصعب حصرهم.
وتزويره لشهادة الدكتوراه ذكرنى بشاتم الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذى حصل على أرفع جائزة مصرية وهى التقديرية فى العلوم الاجتماعية رغم تزويره للدكتوراه أيضا.
ولكن هل خفى تزوير النائب للدكتوراه على كل من ساندوه وأيدوه ودعموه من قبل وأوهموا الناس أنه زعيم وطنى وشعبى وثورى حتى صدق نفسه «وعاش فى الدور» حتى جاوز قدره فوجب فضحه وتغريمه وطرده من الإعلام والبرلمان.
لقد أراد الرجل أن يستند على إسرائيل فى مواجهة كل خصومه حتى إذا طرد تحول إلى بطل قومى له رؤية فى حل قضايا الوطن الإستراتيجية.
إن الذين جعلوا الرجل فى الصدارة كانوا يعلمون كل شىء قبيح عنه ولكنه كان مواليا تابعا حتى إذا ما لعبت خمر الغرور برأسه وأراد أن يطاول سقفا غير سقفه شجت رأسه ورغم أنفه.
المشكلة عند القوم ليست فى تزوير الدكتوراه ولا غيرها، فالمزورون كثر، المهم الولاء والطاعة والتبعية، فإذا ما خرج أحدهم عن حدودها فالويل ثم الويل له.
أما التلاسن بالأحذية فهى لغة قديمة ابتدعت فى مصر عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ثم ماتت هذه اللغة القبيحة فترة ثم عادت مع انهيال الأحذية على رأس نائب كان دائما يتيه بالحذاء فى برامجه ويضعه أمام الكاميرا تارة فى وجه الإسلاميين مهددا إياهم به، وتارة أخرى يهدد به دولا فى المنطقة، وثالثة مشيرا به إلى خصومه وحساده أو إلى أصحاب ثورة 25 يناير.
والغريب أنه لم يقل له أحد من مستخدميه طوال هذا الوقت: هذا عيب، أو عار، أو لا يليق بشاشات تبث من مصر، فإذا به يذوق من نفس الكأس التى أذاقها مرارا لغيره دون حق، إن لغة الأحذية إن دلت على شىء فهى تدل على مدى الخلل الذى أصاب الأخلاق المصرية، وهى ليست حالات فريدة عقب الثورتين.
وقد كتبت من قبل أن أسوأ ما ابتليت به مصر عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو بدعتى «الأحذية والحرق»، وبالأخيرة احترق كل شىء فى مصر بدءا من الأقسام والمحافظات والأحياء والكنائس والمساجد، وانتهاء بمقار الأحزاب والإخوان.. فمن يحرق يناله الحريق، ومن يرفع الحذاء يرفع عليه، ومن يشر به للناس يشر عليهم به، وقد وجدت أقواما أشاروا بالأحذية لغيرهم بعد 25 يناير فأشير لهم بها بعد 30 يونيو دون نكير فى الحالتين.
إن نظرة عاجلة على ما يحدث فى البرلمان من شتائم وترهات وصراعات وراءها مصالح شخصية أو حزبية تافهة تدرك من خلاها أنها انعكاس لمجتمع مريض وإفراز لمجتمع فقد كثيرا من قيمه ومثله وطهارته وشفافيته وأخلاقه.فحينما ينفرد نائب بالبرلمان بالاستناد على إسرائيل فى مواجهة خصومه، حيث يدرك أن إسرائيل هى الأكثر نفوذا فإن ذلك يعنى الكثير، فإذا زايد عليه خصومه فهو سيغلبهم فى المزايدة، ولعله فى النهاية يتحول إلى بطل عند الغرب وينال «نوبل للسلام بعد أعوام» ويصبح رمزا أوروبيا وأمريكيا وسابقا لعصره وزمانه ويدرس فى الجامعات الأمريكية.
إنها ليست أزمته ولكن أزمة كل من صنعوه وصنعوا أشباهه ممن لا ضمير لهم ولا خلق، وممن يقدمون ذواتهم على الدين والوطن والخلق وكل شىء.
إنه نموذج لشريحة سيئة وسلبية ثم الاعتماد عليها لشتم خصوم 30 يونيو السياسيين وتلطيخ سمعتهم بالحق أو الباطل.
وعلى من يستعين بالذين يفجرون فى الخصومة أن يدرك أن هؤلاء سيفجرون أيضا فى خصومتهم معه ومع كل أحد، وليس لديهم عزيز.
فإذا انتقلت من ساحات البرلمان إلى منصات الإعلام وجدت برامج المسابقات فى الرقص والغناء والتمثيل ورأيت «نفسنة وخمسة مواااه» وكل شىء إلا العلوم النافعة.. فليست هناك برامج تستضيف أفضل باحث فى الدكتوراه أو الماجستير أو أوائل الكليات أو أفضل الاختراعات أو أعظم العلماء أو الفائزين فى مسابقات الشعر أو الأدب أو القصة أو الرواية أو...،... ولذا علينا ألا نعجب إذا رأينا أن كوريا الجنوبية التى بدأت التحضر بعدنا بكثير تصنع الآن أجود ثلاثة أنواع من السيارات، ونحن لا نصنع الموتوسيكل ولا التوك توك ونستوردهما.
أما إذا سمعت بعض برامج التوك شو وجدت بعضها قد تحول إلى منصات للشتائم والردح والسباب «وفرش الملاية» والأخطر هو «طعن بعضهم فى أعراض بعض» بعد أن انتهت موجات التخوين السياسى والتكفير الدينى.
إن أزمتنا الكبرى أننا نهتم بالبنيان ولا نهتم بالإنسان، وبالمساجد دون الساجد، وبالمؤسسة دون مديريها وموظفيها، وفى الوقت الذى نبنى فيه ونشيد نضع الآلاف من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وحفاظ القرآن وشباب الجامعات النابه فى السجون من أجل خلاف أو صراع سياسى فى حين أن بعضهم كان يصنع اتزانا أخلاقيا وقيميا فى المجتمع، فماذا لو أفرجنا عن كل من لم يفجر أو يحمل سلاحا أو يدعو إلى عنف، فهل الخلاف السياسى يجعلنا نضع كل هذه الآلاف الكثيرة خلف القضبان، إن من زكاة القدرة العفو، ومن لم يدفع زكاة قدرته وقوته نقصت.